للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإيراد الثاني: أَنَّ حديث قيلة ليس نصاً في المسألة؛ لاحتمال أن يكون المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فيستعبر إليه صويحبه" هو صاحبه الحي، والمعنى: إنَّ أحدكم إذا بكى استعبر له صاحبه الذي هو معه فبكى مثله فأجهش الجميع بكاء؛ فيعذب الميت حينئذ ببكاء الجماعة عليه. (١)

الإيراد الثالث: أنَّ القول بأنَّ الميت يسمع بكاء الحي، وأنه تُعرض عليه أعمال أقاربه الأحياء، فإذا رأى ما يسؤهم تألم له؛ قولٌ لا دليل عليه، والثابت هو سماع الميت لقرع نعال مشيعيه فقط، وذلك بعد الدفن مباشرة، وهو غير مستمر.

القول العاشر: هو الجمع بين هذه الوجوه المذكورة في توجيه الأحاديث، وتنزيل كل وجه منها على حسب حالة الشخص.

وهذا اختيار الحافظ ابن حجر، حيث قال: "ويحتمل أن يُجمع بين هذه التوجيهات، فيُنزل على اختلاف الأشخاص، بأن يقال مثلاً: من كانت طريقته النوح فمشى أهله على طريقته، أو بالغ فأوصاهم بذلك عُذِّب بصنعه، ومن كان ظالماً فنُدِبَ بأفعاله الجائرة عُذِّبَ بما نُدِبَ به، ومن كان يعرف من أهله النياحة فأهمل نهيهم عنها فإن كان راضياً بذلك التحق بالأول، وإن كان غيرَ راضٍ عُذِّبَ بالتوبيخ كيف أهمل النهي، ومن سلم من ذلك كله واحتاط فنهى أهله عن المعصية ثم خالفوه وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره وإقدامهم على معصية ربهم، والله تعالى أعلم بالصواب". (٢)

القول الحادي عشر: أَنَّ البكاء جُعل سبباً للعذاب لا مؤثراً في استحقاقه، كما تكون أسباب الآلام في الدّنيا أموراً غير مؤثرة في الاستحقاق.

وهذا رأي ابن الوزير اليماني. (٣)

ويرى أن الحكمة في جعل البكاء سبباً للعذاب، لما في ذلك من الزّجر العظيم عن البكاء، وتسمية الآلام عذاباً كثير في اللّغة شائع، وقد دلَّ السمع


(١) أورد هذا الاعتراض ابن رشيد كما نقله عنه الحافظ ابن حجر في الفتح (٣/ ١٨٥).
(٢) فتح الباري، لابن حجر (٣/ ١٨٥).
(٣) الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم (٢/ ٣٧٩).

<<  <   >  >>