للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يُحرم الجنة بفعل والديه، بل لأن النطفة الخبيثة لا يتخلق منها طيب في الغالب، ولا يدخل الجنة إلا نفس طيبة، فإنْ كانت في هذا الجنس طيبة دخلت الجنة، وكان الحديث من العام المخصوص.

قال: وقد ورد في ذمه أنه شر الثلاثة، وهو حديث حسن، ومعناه صحيح بهذا الاعتبار، فإنَّ شر الأبوين عارض، وهذا نطفة خبيثة، فشرُّه في أصله، وشرُّ الأبوين من فعلهما". اهـ (١)

ويرد على هذا القول: أَنَّ النطفة إنما خَبُثَتْ بفعل الأبوين، والولد المُتَخَلِّقِ منها

لا ذنب له في خُبثها، فكيف يكون خبيثاً وهو لم يقصد الخبث، ولم يتسبب فيه؟ وعليه فالإشكال باقٍ ولم يتمَّ دفعه.

المذهب الرابع: أَنَّ معنى الحديث أَنَّ ولد الزنا شر الثلاثة نسباً.

وهذا تأويل السرخسي حيث قال: "تأويل الحديث: (شر الثلاثة نسباً) فإنه لا نسب له، أو أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك في ولد زنا بعينه نشأ مرتداً، فكان أخبث من أبويه.

قال: وذلك لأن لأولاد الزنا من الحرمة ما لسائر بني آدم، ولا ذنب لهم، وإنما الذنب لآبائهم، كما ذُكِرَ عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت تتأول في أولاد الزنا: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (٢) [الأنعام: ١٦٤] ". اهـ (٣)

المذهب الخامس: أَنَّ ولد الزنا إنما يُذم لأنه مظنة أنْ يعمل عملاً خبيثاً.

وهذا تأويل شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال: "ولد الزنا إنْ آمن وعمل صالحاً دخل الجنة، وإلا جوزي بعمله كما يُجازى غيره، والجزاء على الأعمال لا على النسب، وإنما يُذَمُّ ولد الزنا لأنه مَظِنَّة أنْ يعمل عملاً خبيثاً، كما يقع كثيراً، كما تُحمد الأنساب الفاضلة لأنها مَظِنَّة عمل الخير، فأما إذا ظهر العمل فالجزاء عليه، وأكرم الخلق عند الله أتقاهم". اهـ (٤)


(١) المنار المنيف، لابن القيم (١/ ١٣٣).
(٢) تقدم تخريجه في أثناء المسألة.
(٣) المبسوط، للسرخسي (٧/ ٧٧ - ٧٨)، (١/ ٤١).
(٤) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (٤/ ٣١٢).

<<  <   >  >>