للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الشوكاني: "وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذه الآية على أنَّ رؤية الشياطين غير ممكنة، وليس في الآية ما يدل على ذلك، وغاية ما فيها: أنه يرانا من حيث لا نراه، وليس فيها أنا لا نراه أبداً؛ فإنَّ انتفاء الرؤية منا له في وقت رؤيته لنا لا يستلزم انتفاءها مطلقاً". اهـ (١)

واعترض: بأنَّ في حديث أبي هريرة رؤية الاثنين، بعضهم لبعض، في آنٍ واحد، وليس فيه ما ذُكِرَ من التفصيل.

القول الثالث: أنَّ رؤيتهم على طبيعتهم وصورهم الأصلية التي خُلِقوا عليها ممتنعة؛ لظاهر الآية، لكن إذا تشكلوا في غير صورهم أمكن رؤيتهم، وعليه تُحمل الأحاديث والآثار الواردة في المسألة.

ذكر هذا القول: القاضي عياض (٢).

وهو اختيار: الحافظ ابن حجر (٣)، والعيني (٤).

واعترض عليه النووي قائلاً: "هذه دعوى مجردة؛ فإن لم يصح لها مستند؛ فهي مردودة". (٥)

القول الرابع: أنَّ رؤيتهم على صورهم التي خُلِقوا عليها هو مما اختص به الأنبياء - عليهم السلام - وهو من معجزاتهم، وعليه تحمل الآية، وأما سائر الناس فلا يمكنهم رؤيتهم إلا إذا تشكلوا في غير صورهم التي خُلقوا عليها.

وهذا رأي: ابن بطال، والنحاس (٦)، وابن عاشور (٧).

قال ابن بطال: "رؤيته - صلى الله عليه وسلم - للعفريت هو مما خُص به، كما خُص برؤية الملائكة، وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنَّ جبريل - عليه السلام - له ستمائة جناح (٨)، ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - الشيطان في هذه الليلة، وأقدره الله عليه لتجسُّمِه؛ لأن الأجسام ممكن القدرة


(١) فتح القدير، للشوكاني (٢/ ٢٨٨).
(٢) إكمال المعلم (٢/ ٤٧٣).
(٣) فتح الباري (٤/ ٥٧١).
(٤) عمدة القاري (١٢/ ١٤٨).
(٥) صحيح مسلم بشرح النووي (٥/ ٤٠).
(٦) نقله عنه القرطبي في تفسيره (٧/ ١٢٠).
(٧) التحرير والتنوير (٩/ ٧٩ - ٨٠).
(٨) عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ". أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب بدء الخلق، حديث (٣٢٣٢)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، حديث (١٧٤).

<<  <   >  >>