للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليها، ولكنه ألقى في روعه ما وُهِبَ سليمان - عليه السلام - فلم يُنفِذ ما قوي عليه من حبسه رغبة عما أراد سليمان الانفراد به، وحرصاً على إجابة الله تعالى دعوته، وأما غير النبي من الناس فلا يمكن منه، ولا يرى أحدٌ الشيطانَ على صورته غيره - صلى الله عليه وسلم -؛ لقوله تعالى: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ)، لكنه يراه سائر الناس إذا تشكل في غير شكله، كما تشكل الذي طعنه الأنصاري حين وجده في بيته على صورة حية فقتله فمات الرجل به، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله: "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ" (١) ". اهـ (٢)

القول الخامس: أنَّ رؤية الجن ممتنعة مطلقاً إلا لنبي، أو في زمن نبي.

وهذا رأي: ابن حزم، حيث قال عن الجن: "وهم يروننا ولا نراهم، قال الله تعالى: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) .... ، وإذ أخبرنا الله عز وجل أننا لا نراهم، فمن ادعى أنه يراهم أو رآهم فهو كاذب، إلا أن يكون من الأنبياء - عليهم السلام - فذلك معجزة لهم، كما نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه تفلت عليه الشيطان ليقطع عليه صلاته قال: فأخذته فذكرت دعوة أخي سليمان، ولولا ذلك لأصبح موثقاً يراه أهل المدينة، وكذلك في رواية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - للذي رأى (٣)؛ أنها هي معجزة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا سبيل إلى وجود خبر يصح برؤية حتى بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هي منقطعات، أو عمن لا خير فيه". اهـ (٤)

ونُقِلَ عن الإمام الشافعي أنه قال: "من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن أبطلت شهادته؛ لأن الله عز وجل يقول: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ)، إلا أن يكون نبياً". (٥)

القول السادس: أنَّ الآية خارجة مخرج التمثيل لدقيق مكر الشيطان وخفي حيله، وليس المقصود منها نفي الرؤية حقيقة.


(١) أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب السلام، حديث (٢٢٣٦).
(٢) شرح صحيح البخاري، لابن بطال (٢/ ١٠٩).
(٣) سيأتي تخريجه في الصفحة الآتية.
(٤) الفصل في الملل والأهواء والنحل (٣/ ١٧٩).
(٥) انظر: أحكام القرآن، للشافعي، ص (٥٤١).

<<  <   >  >>