للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخالف المعتزلة فأوجبوا على الله تعالى ثواب الأعمال، وقالوا: إنَّ دخول الجنة إنما هو بسبب الأعمال لا بالتَّفَضُّل (١)، وقد أنكر عليهم أهل السنة قولهم هذا وبينوا خطأه وعواره.

ومذهب أهل السنة أنَّ الله تعالى لا يجب عليه شيء، بل العالم ملكه، والدنيا والآخرة في سلطانه، يفعل فيهما ما يشاء، فلو عذَّب المطيعين والصالحين أجمعين، وأدخلهم النار كان عدلاً منه، ولو أكرمهم ونعَّمَهم وأدخلهم الجنة فهو فضل منه، ولو نعَّم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك، ولكنه أخبر سبحانه وخبره صدق أنه لا يفعل هذا، بل يغفر للمؤمنين ويُدخلهم الجنة برحمته، ويُعذب الكافرين ويُدخلهم النار عدلاً منه سبحانه. (٢)

وأمَّا الآيات التي يُوهم ظاهرها أنَّ الأعمال الصالحة هي التي تُدْخِلُ الجنة؛ فقد اختلف العلماء في الجواب عنها، وفي الجمع بينها وبين الحديث على مذاهب:

الأول: أنَّ العمل بنفسه لا يستحقُّ به أحدٌ الجنة لولا أنَّ الله عز وجل جعله - بفضله ورحمته - سبباً لذلك، والعمل نفسه من فضل الله ورحمته على عبده، فالجنة وأسبابها كلٌّ من فضل الله ورحمته. (٣)

وهذا مذهب: ابن حزم، والبيهقي، وابن العربي، والقاضي عياض، والفخر الرازي، وأبي العباس القرطبي، والنووي، والخازن، وابن رجب، وابن الوزير اليماني، وأبي زرعة العراقي، والشوكاني. (٤)


(١) قال الزمخشري في "الكشاف" (٢/ ١٠١): "قوله: (أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الأعراف: ٤٣] أي: بسبب أعمالكم، لا بالتفضل كما تقول المبطلة".
(٢) انظر: شرح صحيح مسلم، للنووي (١٧/ ٢٣٢ - ٢٣٣)، وتفسير القرطبي (٧/ ١٣٤)، والعواصم والقواصم، لابن الوزير اليماني (٧/ ٢٩٠ - ٢٩٨).
(٣) انظر: جامع العلوم والحكم، لابن رجب (٢/ ١٣٦).
(٤) انظر على الترتيب: الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم (٣/ ٤١ - ٤٢)، والآداب، للبيهقي، ص (٥٢٩)، وعارضة الأحوذي، لابن العربي (١٢/ ٨٩)، وإكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض (٨/ ٣٥٣)، ومفاتيح الغيب، للرازي (١٤/ ٦٨)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٧/ ١٣٩)، وشرح صحيح مسلم، للنووي (١٧/ ٢٣٣)، ولباب التأويل في معاني التنزيل، للخازن (٢/ ٢٠١) =

<<  <   >  >>