للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال البيهقي - بعد روايته للحديث -: "وهذا لأنَّه إنَّما أمْكَنَهُ العمل بالطاعة بتوفيق الله إياه لذلك، وإنما ترك المعصية بعصمة الله إياه عنها، والتوفيق والعصمة بإرادة الله وتوفيقه وعصمته، وهي رحمته، فالنجاة في الحقيقة واقعة برحمة الله وفضله، ولا بُدَّ من العمل لامتثال الأمر". اهـ (١)

وقال النووي: "وأمَّا قوله تعالى: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: ٣٢] (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢)) [الزخرف: ٧٢] ونحوهما من الآيات الدالة على أنَّ الأعمال يَدْخُل بها الجنة فلا يُعارض هذا الحديث؛ بل معنى الآيات أنَّ دخول الجنة بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها وقبولها برحمة الله تعالى وفضله، فيصِحُّ أنَّه لم يَدْخُل بمجرد العمل، وهو مُراد الحديث، ويصِحُّ أنَّه دخل بالأعمال، أي بسببها، وهي من الرحمة". اهـ (٢)

المذهب الثاني: أنَّ الباء التي نفت الدخول هي باء المُعَاوَضَة التي يكون فيها أحد العوضين مقابلاً للآخر، والباء التي أثبتت الدخول هي باء السببية التي تقتضي سببية ما دخلت عليه لغيره.

وهذا مذهب: شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن كثير، وابن أبي العز الحنفي، وابن القيم، وابن عاشور. (٣)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - وقد سُئِلَ عن قوله تعالى: (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) هل يَدْخُل أحدٌ الجنة بعمله، أم ينقضه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ"؟

فأجاب: "لا مناقضة بين ما جاء به القرآن وما جاءت به السنة، إذ المُثبت


= و (٣/ ٧٥)، وجامع العلوم والحكم، لابن رجب (٢/ ١٣٦)، والعواصم والقواصم، لابن الوزير اليماني (٧/ ٢٩٠ - ٢٩٨)، وإيثار الحق على الخلق، لابن الوزير (١/ ٣٤١)، وطرح التثريب، للعراقي (٨/ ٢٤١)، وفتح القدير، للشوكاني (٢/ ٣٠٠).
(١) الآداب، للبيهقي، ص (٥٢٩).
(٢) شرح صحيح مسلم، للنووي (١٧/ ٢٣٣).
(٣) انظر على الترتيب: تفسير ابن كثير (٢/ ٢٢٤)، وشرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي (٢/ ٦٤٣)، وحادي الأرواح، لابن القيم (١/ ٦١)، والتحرير والتنوير، لابن عاشور (٨/ ١٣٤).

<<  <   >  >>