للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: أنَّ الإساءة في الحديث المرادُ بها الكفر؛ فمن ارتَدَّ بعد إسلامه، ومات على ذلك، فإنَّه يُعاقب على جميع ما كان منه قبل الإسلام وبعده.

وهذا جواب البخاري، كما أشار إليه الحافظ ابن حجر، وأيده. (١).

ونقله ابن بطال عن المُهَلَّبِ، وأيَّدَهُ ونَصَرَه. (٢).

وبه قال الطحاوي (٣)، والمُحِبُّ الطبري (٤)، والداوودي. (٥).

وهو اختيار: المازري، وابن الجوزي. (٦)

قال الطحاوي: "قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ" هو على معنى: "من أسلم في الإسلام ومن ذلك قوله تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) [النمل: ٨٩]، فكانت الحسنة المُرَادَة في ذلك هي الإسلام، فكان من جاء بالإسلام مَجْبُوبَاً (٧) عنه ما كان منه في الجاهلية، وموافقاً لما في حديث عمرو - رضي الله عنه -: "أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ" (٨)، ومن لَزِمَ الكفرَ في الإسلام كان قد جاء بالسيئة في الإسلام، ومنه قوله تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا) [الأنعام: ١٦٠]، فكانت عقوبة تلك السيئة عليه مضافة إلى عقوبات ما قبلها من سيئاته التي كانت في الجاهلية". اهـ (٩).

القول الثاني: أنَّ الإساءة في الحديث المُرادُ بها النفاق، فإذا أسلم الكافر ولم يَصْدُقْ في إسلامه، بأنْ يكون مُنْقَاداً في الظاهر، غير معتقدٍ للإسلام بقلبه؛ فإنَّه يُؤاخذ بما كان منه في الجاهلية.


(١) انظر: فتح الباري، لابن حجر (١٢/ ٢٧٨).
(٢) شرح صحيح البخاري، لابن بطال (١٢/ ٢٧٨)، وانظر: فتح الباري، لابن حجر (١٢/ ٢٧٨).
(٣) مشكل الآثار، للطحاوي (١/ ٤٤٣).
(٤) هو: أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري، أبو العباس، محب الدين: حافظ فقيه شافعي، متفنن، من أهل مكة مولداً ووفاة. وكان شيخ الحرم فيها. له تصانيف منها (السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين)، و (الرياض النضرة في مناقب العشرة)، وغيرها، (ت: ٦٩٤هـ). انظر: الأعلام، للزركلي
(١/ ١٥٩).
(٥) انظر: فتح الباري، لابن حجر (١٢/ ٢٧٨)، وفيه النقل عن الطبري والداوودي.
(٦) انظر على الترتيب: إكمال المعلم، للقاضي عياض (١/ ٤٠٩)، وفيه النقل عن المازري، وكشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (١/ ٣٠٦).
(٧) الجَبُّ: هو القطع، والمعنى أنَّ الإسلام يمحو ويقطع ما كان قبله من الكفر والمعاصي والذنوب. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (١/ ٢٣٤).
(٨) تقدم تخريجه قريباً.
(٩) مشكل الآثار، للطحاوي (١/ ٤٤٣).

<<  <   >  >>