للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المذهب الثاني: أنه لا يستحق أنْ يُغفر له بالإسلام إلا ما تاب منه.

فإذا أسلم الكافر فإنَّما يُغفر له ما تاب منه بعد إسلامه؛ وأمَّا الذنوب التي فعلها في الجاهلية وأصَرَّ عليها في الإسلام فإنَّه يُؤاخذ بها، فإنَّه إذا أصَرَّ عليها في الإسلام لم يكن تائباً منها؛ فلا يُكَفَّرُ عنه إلا ما تاب منه.

وهذا مذهب طوائف من المتكلمين، من المعتزلة وغيرهم. (١)

ونقل الميموني (٢) في "مسائله" عن الإمام أحمد أنه قال: "بلغني عن أبي حنيفة أنه كان يقول: لا يُؤَاخَذ بما كان في الجاهلية. والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في غير حديث: إنه يُؤاخذ". اهـ (٣) وإليه ذهب الحليمي (٤)، وابن حزم (٥)، وابن مفلح (٦)، وشيخ الإسلام ابن تيمية (٧)، وابن أبي العز الحنفي (٨)، والحافظ ابن رجب (٩).

قال ابن حزم: "ومن عمل في كُفْرِهِ عملاً سيئاً ثم أسلم؛ فإنْ تمادى على تلك الإساءة حُوسِبَ وجُوزي في الآخرة بما عمل من ذلك في شِرْكِهِ وإسلامه، وإنْ تاب عن ذلك سَقَطَ عنه ما عمل في شِرْكِهِ". اهـ (١٠)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - وقد سُئِلَ عن اليهودي أو النصراني إذا أسلم، هل يبقى عليه ذنب بعد الإسلام؟ فأجاب: "إذا أسلم باطناً وظاهراً غُفِرَ له الكفر الذي تاب منه بالإسلام بلا نزاع، وأمَّا الذنوب التي لم يتب منها مثل: أنْ يكون مصراً على ذنب أو ظلم أو فاحشة ولم يتب منها بالإسلام،


(١) انظر: فتح الباري، لابن رجب (١/ ١٤٢).
(٢) هو: عبد الملك بن عبد الحميد بن عبد الحميد بن شيخ الجزيرة ميمون بن مهران، أبو الحسن، الميموني، الرقي، تلميذ الإمام أحمد، ومن كبار الأئمة، كان عالم الرقة ومفتيها في زمانه، (ت: ٢٧٤هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (١٣/ ٨٩).
(٣) انظر: الآداب الشرعية، لابن مفلح (١/ ٩٣)، وفتح الباري، لابن رجب (١/ ١٤٢)، وفتح الباري، لابن حجر (١٢/ ٢٧٩).
(٤) نقله عنه الحافظ ابن رجب في فتح الباري (١/ ١٤٢).
(٥) الفصل في الملل والأهواء والنحل (٢/ ٣٤٥ - ٣٤٦)، والمحلى (١/ ٣٩ - ٤٠)، والإحكام في أصول الأحكام (٥/ ١٠٧).
(٦) الآداب الشرعية (١/ ٩٤).
(٧) مجموع فتاوى ابن تيمية (١٠/ ٣٢٤)، (١١/ ٧٠١ - ٧٠٢).
(٨) شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز (٢/ ٤٥١).
(٩) فتح الباري، لابن رجب (١/ ١٤٢)، وجامع العلوم والحكم (١/ ١١٧).
(١٠) المحلى (١/ ٣٩).

<<  <   >  >>