للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تكليف، وإنما هي دار جزاء، ودار التكليف هي دار الدنيا، فلو كانت الآخرة دار تكليف لكان ثَمَّ دار جزاء غيرها.

أورد هذا الاعتراض: ابن عبد البر، وابن عطية، وأبو عبد الله القرطبي، والآلوسي. (١)

قال ابن عبد البر ـ وقد ذكر بعض هذه الأحاديث ـ: "وهذه الأحاديث كلها ليست بالقوية، ولا تقوم بها حُجة، وأهل العلم يُنكرون أحاديث هذا الباب؛ لأنَّ الآخرة دار جزاء، وليست دارَ عمل ولا ابتلاء، وكيف يُكَلَّفون دخول النار وليس ذلك في وُسِع المخلوقين، والله لا يُكَلِّف نفساً إلا وسعها، ولا يخلو من مات في الفترة من أن يكون مات كافراً أو غير كافر، فإنْ مات كافراً جاحداً فإنَّ الله حرَّم الجنة على الكافرين، فكيف يُمتحنون؟ وإنْ كان معذوراً بأنه لم يَأته نذير ولا رسول فكيف يُؤمر أنْ يقتحم النار وهي أشدُّ العذاب؟ ". اهـ (٢)

وأجيب عن هذه الاعتراضات من وجوه (٣):

الأول: "أَنَّ أحاديث هذا الباب قد تضافرت وكثُرَتْ بحيث يشدُّ بعضُها بعضاً، وقد صحَّح الحفاظ بعضها، كما صحَّح البيهقي وعبد الحق وغيرهما حديثَ الأسود بن سريع. وحديثُ أبي هريرة إسناده صحيح متصل، ورواية معمر له، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، موقوفاً، لا تضره؛ فإنا إنْ سلكنا طريق الفقهاء والأصوليين ـ في الأخذ بالزيادة من الثقة ـ فظاهر، وإنْ سلكنا طريق الترجيح ـ وهي طريقة المحدثين ـ فليس من رَفَعَه بدون من وَقَفَه في الحفظ والإتقان.

الوجه الثاني: أَنَّ غاية ما يُقَدَّرُ فيه أنه موقوف على الصحابي، ومثل هذا


(١) انظر: المحرر الوجيز، لابن عطية (٣/ ٤٤٤)، وتفسير القرطبي (١٠/ ١٥٢) و (١١/ ١٧٥)، وروح المعاني، للآلوسي (١٥/ ٥٥).
(٢) الاستذكار، لابن عبد البر (٨/ ٤٠٤)، باختصار، وانظر: التمهيد (١٨/ ١٣٠).
(٣) ذكر هذه الوجوه: ابن القيم في "أحكام أهل الذمة" (٢/ ١١٤٩ - ١١٥٨)، وطريق الهجرتين، ص (٥٩٢ - ٥٩٥)، وأشار إلى بعضها الحافظ ابن كثير في تفسيره (٣/ ٣٣)، والحافظ ابن حجر في الفتح (٣/ ٢٩١).

<<  <   >  >>