للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يُقْدِمُ عليه الصحابي بالرأي والاجتهاد، بل يُجْزَم بأنَّ ذلك توقيفٌ لا عن رأي.

الوجه الثالث: أَنَّ هذه الأحاديث يَشُدُّ بعضها بعضاً؛ فإنها قد تعددت طرقها، واختلفت مخارجها، فيبعد كل البعد أنْ تكون باطلة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتكلم بها، وقد رواها أئمة الإسلام ودونوها ولم يطعنوا فيها.

الوجه الرابع: أنها هي الموافقة للقرآن وقواعد الشرع، فهي تفصيل لما أخبر به القرآن أنه لا يُعَذَّبُ أحدٌ إلا بعد قيام الحجة عليه، وهؤلاء لم تقم عليهم حجة الله في الدنيا، فلا بد أنْ يقيم حجته عليهم، وأحق المواطن أنْ تُقام فيه الحجة يوم يقوم الأشهاد، وتُسمع الدعاوى، وتُقام البينات، ويختصم الناس بين يدي الرب، وينطق كل أحد بحجته ومعذرته، فلا تنفع الظالمين معذرتهم وتنفع غيرهم.

الوجه الخامس: أَنَّ القول بموجبها هو قول أهل السنة والحديث، كما حكاه الأشعري عنهم في المقالات، وحكى اتفاقهم عليه. (١)

الوجه السادس: وهو قول ابن عبد البر: "وأهل العلم يُنكرون أحاديث هذا الباب" جوابه: أنه وإنْ أنكرها بعضهم فقد قَبِلَها الأكثرون، والذين قبلوها أكثر من الذين أنكروها، وأعلم بالسنة والحديث، وقد حكى فيه الأشعري اتفاق أهل السنة والحديث، وقد بينا أنه مقتضى قواعد الشرع.

الوجه السابع: أنه قد نص جماعة من الأئمة على وقوع الامتحان في الدار الآخرة، وقالوا لا ينقطع التكليف إلا بدخول دار القرار، ذكره البيهقي عن غير واحد من السلف.

الوجه الثامن: ما ثبت في الصحيحين (٢)، من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد، رضي الله عنهما، في الرجل الذي هو آخر أهل الجنة دخولاً إليها، أَنَّ الله تعالى يأخذ عهوده ومواثيقه ألا يسأله غير الذي يعطيه، وأنه يُخالفه ويسأله غيره،


(١) انظر: مقالات الإسلاميين، لأبي الحسن الأشعري، ص (٢٩٦).
(٢) انظر: صحيح البخاري، كتاب الأذان، حديث (٨٠٦)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، حديث (١٨٢).

<<  <   >  >>