للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: أنهم لا يُورَثون مطلقاً، كنبينا عليه وعليهم السلام.

وهذا مذهب جمهور العلماء من السلف والخلف. (١)

وحكاه أبو الوليد الباجي (٢) (٣)، وابن القيم (٤)، والسيوطي (٥) إجماعاً.

واحتج الجمهور على منع وراثة الأنبياء:

بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاَ نُورَثُ" حيث جمع الضمير باعتبار مشاركة بقية الأنبياء له في ذلك.

قالوا: ويدل على العموم حديث: "إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لاَ نُورَثُ" (٦)، وحديث: "إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا،


= إلا على ما يُنقل من الموروث إلى الوارث؛ كالأموال، ولا يستعمل في غير المال إلا على طريق المجاز والتوسع، ولا يُعدل عن الحقيقة إلى المجاز بغير دلالة". اهـ
ومذهب الشيعة هذا باطل بإجماع أهل السنة، وقد تصدى لإنكاره وبيان بطلانه جمع من علماء أهل السنة، كابن عبد البر، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن حجر الهيثمي، وغيرهم.
قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (٢٧/ ٣٨٧ - ٣٨٨) - بعد أن حكى مذهبهم -: "وليس قولهم هذا مما يُشتغل به، ولا يُحكى مثله، لما فيه من الطعن على السلف، والمخالفة لسبيل المؤمنين".
وقال: "وكيف يسوغ لمسلم أن يظن أن أبا بكر - رضي الله عنه - منع فاطمة ميراثها من أبيها - صلى الله عليه وسلم -، ومعلوم عند جماعة العلماء أن أبا بكر - رضي الله عنه - كان يعطي الأحمر والأسود، ويسوي بين الناس في العطاء، ولم يستأثر لنفسه بشيء، ويستحيل في العقل أن يمنع فاطمة ويرده على سائر المسلمين، وقد أمر بنيه أن يردوا ما زاد في ماله منذ ولي أمر المسلمين إلى بيت المال، وقال: إنما كان لنا من أموالهم ما لبسنا على ظهورنا، وما أكلنا من طعامهم". اهـ
وقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد عليهم في كتابه "منهاج السنة النبوية" فانظره في (٤/ ١٩٣ - ٢٢٥)، وانظر: كتاب "الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة"، لابن حجر الهيثمي (١/ ٩٢ - ١٠٢).
(١) حكاه مذهب الجمهور: النحاس في "الناسخ والمنسوخ" (٣/ ٦٣)، وابن عبد البر في "التمهيد"
(٨/ ١٧٤)، والقاضي عياض في "إكمال المعلم" (٦/ ٩٠)، والنووي في "شرح صحيح مسلم"
(١٢/ ١١٧)، وأبو زرعة العراقي في "طرح التثريب" (٦/ ٢٤٠).
(٢) هو: سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي الأندلسي القرطبي، القاضي أبو الوليد الباجي الذهبي، ص (٤) التصانيف، أصله من مدينة بطليوس فتحول جده إلى باجة بليدة بقرب إشبيلية فنُسِب إليها، وما هو من باجة المدينة التي بإفريقية، ولي القضاء بمواضع من الأندلس وصنف كتاب "المعاني في الفقه" وكتاب "المنتقى في شرح الموطأ"، مات سنة (٤٧٤هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (١٨/ ٥٣٥).
(٣) المنتقى شرح الموطأ، لأبي الوليد الباجي (٧/ ٣١٧).
(٤) مفتاح دار السعادة (١/ ٦٧).
(٥) الخصائص الكبرى، للسيوطي (٢/ ٤٣٦).
(٦) تقدم تخريجه في أول المسألة.

<<  <   >  >>