للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الخامس: أنَّه قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لاَ نُورَثُ"، وهذا اللفظ عامٌ في جميع الأنبياء ولا يَحْتَمِلُ التخصيص، ولا يجوز تفسير الآيات بمعنى يخالف هذا الحديث.

الدليل السادس: أنه ليس في كون سليمان ورث مال داود صفة مدحٍ، لا لداود، ولا لسليمان؛ فإنَّ اليهودي والنصراني يَرِثُ أباه مالَه، والآية إنما سيقت في بيان مدح سليمان وما خصَّه الله به من النعمة. (١)

الدليل السابع: أَنَّ آل يعقوب قد انقرضوا من زمان فكيف يرث زكريا مالهم، وأيضاً فإن زكريا عليه السلام لا يرث من آل يعقوب شيئاً من أموالهم، وإنما يرث ذلك أولادهم. (٢)

الدليل الثامن: أَنَّ الوراثة تَرِدُ في الكتاب والسنة بمعنى وراثة العلم والدين؛ كقوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) [فاطر: ٣٢]، وقوله: (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) [الشورى: ١٤]، وقوله: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ) [الأعراف: ١٦٩]، إلى غير ذلك من الآيات، فلا مانع من حملها في الآيات على هذا المعنى سيما وقد وجدت قرائن تدل على هذا المعنى. (٣)

الإيرادات والاعتراضات على مذهب الجمهور:

الاعتراض الأول: أَنَّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ نُورَثُ" خاص به - صلى الله عليه وسلم -؛ بدليل أَنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال - بعد روايته للحديث -: "يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَفْسَهُ" (٤)، وقد صَدَّقَ عمرَ جماعةٌ من الصحابة على هذا المعنى حين حدَّثَ به بمحضر منهم، وهذا يدل على أَنَّ الحديث يُرَادُ به الخصوص، فلا مانع إذن


= لابن حزم (٣/ ١٠)، ومفاتيح الغيب، للرازي (٢١/ ١٥٧)، ومنهاج السنة النبوية، لابن تيمية (٤/ ٢٢٥)، وتفسير ابن كثير (٣/ ١١٧).
(١) منهاج السنة النبوية، لابن تيمية (٤/ ٢٢٤).
(٢) انظر: منهاج السنة النبوية، لابن تيمية (٤/ ٢٢٤ - ٢٢٥)، وأضواء البيان، للشنقيطي (٤/ ٢٠٦).
(٣) انظر: أضواء البيان، للشنقيطي (٤/ ٢٠٨).
(٤) سيأتي تخريجه في الصفحة الآتية.

<<  <   >  >>