وقوله تعالى:(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧)) [الحجر: ٩٧]، وقوله:(وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ)[النحل: ١٢٧]، وقوله:(لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣)) [الشعراء: ٣] إلى غير ذلك من الآيات، ولما كان يحزنه كفرهم وعدم إيمانهم أنزل الله آيات كثيرة تسلية له - صلى الله عليه وسلم -، بَيَّنَ له فيها أنه لا قدرة له على هدي من أضله الله، ومن الآيات النازلة تسلية له - صلى الله عليه وسلم -، قوله هنا:(إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى)، أي لا تُسمع من أضله الله إسماع هدى وقبول، ولو كان معنى الآية وما شابهها: إنك لا تسمع الموتى، أي: الذين فارقت أرواحهم أبدانهم لما كان في ذلك تسلية له - صلى الله عليه وسلم -.
واعتُرِضَ: بأنَّ ما ذُكِرَ من معنى آيتي النمل والروم مُسَلَّمٌ فيه، لكن ذلك لا يمنع الاستدلال بهما على نفي سماع الموتى مطلقاً؛ لأنَّ الموتى لما كانوا لا يسمعون حقيقة، وكان ذلك معروفاً عند المخاطبين شبه الله تعالى بهم الكفار الأحياء في عدم السماع، فدل هذا التشبيه على أنَّ المشبه بهم - وهم الموتى في قبورهم - لا يسمعون، كما يدل مثلاً تشبيه زيد في الشجاعة بالأسد على أنَّ الأسد شجاع، بل هو في ذلك أقوى من زيد، ولذلك شُبِّهَ به، وإن كان الكلام لم يُسقْ للتحدث عن شجاعة الأسد نفسه، وإنما عن زيد، وكذلك آيتا النمل والروم، وإن كانتا تحدثتا عن الكفار الأحياء وشُبّهوا بموتى القبور، فذلك لا ينفي أنَّ موتى القبور لا يسمعون، بل إنَّ كل عربي سليم السليقة، لا يفهم من تشبيه موتى الأحياء بهؤلاء إلا أنَّ هؤلاء أقوى في عدم السماع منهم، وإذ الأمر كذلك فموتى القبور لا يسمعون. (١)
واعتُرِضَ أيضاً: بأنَّ الله تعالى قال في آية أخرى: (وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)[فاطر: ٢٢] وهذه الآية صريحة في نفي سماع الأموات، ولا يتأتى حملها على المعنى الذي ذُكِرَ.
وأجيب: بأنَّ هذه الآية هي كآيتي النمل والروم المتقدمتين، لأنَّ المراد بقوله:(مَنْ فِي الْقُبُورِ) الموتى، فلا فرق بين قوله:(إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) وبين قوله: (وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)؛ لأنَّ المراد بالموتى ومن في القبور
(١) انظر: مقدمة الألباني على كتاب "الآيات البينات في عدم سماع الأموات"، ص (٢١ - ٢٢).