للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدل أصحاب هذا القول بأدلة منها (١):

الأول: أنَّ الله تعالى بعد أنْ نفى السماع عنهم قال: (وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١)) [النمل: ٨١]، فمقابلته جلَّ وعلا الإسماع المنفي في الآية عن الموتى بالإسماع المثبت فيها - لمن يؤمن بآياته - دليلٌ واضح على أنَّ المراد بالموت في الآية موت الكفر والشقاء، لا موت مفارقة الروح للبدن، ولو كان المراد بالموت في قوله: (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) مفارقة الروح للبدن لما قابل ذلك بقوله: (وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ)، بل لقابله بما يناسبه، كأن يُقال: إنْ تسمع إلاّ من لم يمت.

الدليل الثاني: أنَّ استقراء القرآن الكريم يدل على أنَّ الغالب استعمال الموتى بمعنى الكفار، كقوله تعالى: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦)) [الأنعام: ٣٦]، وقد أجمع (٢) من يعتد به من أهل العلم أنَّ المراد بالموتى في الآية هم الكفار.

وكقوله تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢)) [الأنعام: ١٢٢]، فقوله: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا)، أي: كافراً؛ فأحييناه، أي: بالإيمان والهدى، وهذا لا نزاع فيه بين المفسرين، وفيه إطلاق الموت وإرادة الكفر.

وكقوله: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ) [فاطر: ٢٢]، أي: لا يستوي المؤمنون والكافرون.

الدليل الثالث: أنَّ قوله تعالى: (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى)، وما في معناها من الآيات، كلها تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه يحزنه عدم إيمانهم، كما بينه تعالى في آيات كثيرة، كقوله تعالى: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) [الأنعام: ٣٣]،


(١) انظر: تأويل مختلف الحديث، لابن قتيبة، ص (١٤٣)، والروح، لابن القيم، ص (١٤١ - ١٤٢)، وأضواء البيان، للشنقيطي (٦/ ٤١٦ - ٤١٩).
(٢) لم أقف على حكاية الإجماع في أن المراد بالموتى في الآية هم الكفار، وذكر ابن الجوزي في زاد المسير
(٣/ ٢٧) قولاً آخر في معنى الآية: أنهم الموتى حقيقة، ضربهم الله مثلاً، والمعنى أن الموتى لا يستجيبون حتى يبعثهم الله.

<<  <   >  >>