للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سلامه؛ لأنهم لو كانوا لا يسمعون سلامه وكلامه لكان خطابه لهم من جنس خطاب المعدوم، ولا شك في أنَّ ذلك ليس من شأن العقلاء، فمن البعيد جداً صدوره من النبي - صلى الله عليه وسلم -. (١)

واعتُرِضَ: بأنَّ الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يخاطبون النبي - صلى الله عليه وسلم - في تشهد الصلاة بقولهم: "السلام عليك أيها النبي ... " (٢)

وهم خلفه، وقريباً منه، وبعيداً عنه، في مسجده، وفي غير مسجده، وكذا جمهور المسلمين اليوم، وقبل اليوم، الذين يخاطبونه بذلك، أفيقال: إنه يسمعهم، أو أنه من المحال السلام عليه، وهو لا يشعر بهم ولا يعلم؟ (٣)

واعتُرِضَ أيضاً: بأنَّ السلام على القبور إنما هو عبادة، والقصد منه تذكير النفس بحالة الموت، وبحالة الموتى في حياتهم، وليس القصد من السلام مخاطبتهم، أو أنهم يسمعون ويجيبون. (٤)

الدليل الرابع: ما جرى عليه عمل الناس - قديماً وإلى الآن - من تلقين الميت في قبره، ولولا أنه يسمع ذلك وينتفع به لم يكن فيه فائدة، ولكان عبثاً.

قالوا: وهذا الذي جرى عليه عمل الناس قد جاء ما يعضده في حديث ضعيف؛ فعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره، فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يا


(١) أضواء البيان، للشنقيطي (٦/ ٤٢٥، ٤٣٢)، وانظر: تفسير القرطبي (١٣/ ١٥٤)، ومجموع الفتاوى، لابن تيمية (٢٤/ ٢٩٧)، وتفسير ابن كثير (٣/ ٤٤٧ - ٤٤٩)، والروح، لابن القيم، ص (٥٤).
(٢) عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، فَكَانَ يَقُولُ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ".
أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الصلاة، حديث (٤٠٣).
(٣) انظر: مقدمة الألباني على كتاب "الآيات البينات في عدم سماع الأموات"، ص (٣٩)، وانظر تعليقه على أصل الكتاب، ص (٩٦).
(٤) المحرر الوجيز، لابن عطية (٤/ ٢٧٠).

<<  <   >  >>