للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلان بن فلانة، فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم يقول: يا فلان بن فلانة، فإنه يستوي قاعداً، ثم يقول: يا فلان بن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله، ولكن لا تشعرون، فليقل: أذكر ما خرجت عليه من الدنيا، شهادة أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماً، فإنَّ منكراً ونكيراً، يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول: انطلق بنا، ما نقعد عند من قد لُقِّنَ حُجَّته، فيكون اللهُ حجيجَه دونهما، فقال رجل: يا رسول الله، فإن لم يعرف أمه؟ قال: فينسبه إلى حواء، يا فلان بن حواء". (١)

قالوا: فهذا الحديث وإن لم يثبت إلا أنَّ اتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار، من غير إنكار، كافٍ في العمل به، ولولا أنَّ المخاطب يسمع لكان ذلك بمنزلة الخطاب للتراب والخشب والحجر والمعدوم، وهذا وإن استحسنه واحد، فالعلماء قاطبة على استقباحه واستهجانه، قالوا: وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: "اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ" (٢)، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يُسأل حينئذ، وإذا كان يُسأل فإنه يسمع التلقين. (٣)

واعتُرِضَ: بأنَّ حديث تلقين الميت لا يصح، بل هو حديث متفق على ضعفه، وعمل الناس إذا لم يعضده دليل صحيح فلا حجة فيه. (٤)

الدليل الخامس: أنَّ عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال - في وصيته عند موته -: "فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا (٥) عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ


(١) أخرجه الطبراني في الكبير (٨/ ٢٤٩). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٣/ ٤٥): "رواه الطبراني في الكبير، وفي إسناده جماعة لم أعرفهم". وقال ابن القيم في حاشيته على مختصر سنن أبي داود
(١٣/ ١٩٩): "هذا الحديث متفق على ضعفه".
(٢) أخرجه أبو داود في سننه، في كتاب الجنائز، حديث (٣٢٢١). وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (٢/ ٣٠٥).
(٣) الروح، لابن القيم، ص (٧٠ - ٧١)، وانظر: أضواء البيان، للشنقيطي (٦/ ٤٣٧).
(٤) انظر: أحكام الجنائز، للألباني، ص (١٩٨).
(٥) أي: ضعوه وضعاً سهلاً. انظر: مشارق الأنوار، للقاضي عياض (٢/ ٢٢٣)، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (٢/ ٤١٣).

<<  <   >  >>