للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثالث: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك على جهة الموعظة للأحياء، لا لإفهام الموتى.

ذكره ابن الهمام وجهاً آخر في الجواب عن الحديث. (١)

القول الرابع: أنَّ وقوف النبي - صلى الله عليه وسلم - على قتلى بدر ونداءه إياهم كان في الوقت الذي تُردُّ فيه الروح للبدن عند المساءلة في القبر.

وهذا رأي ابن عبد البر، حيث ذكره احتمالاً آخر في توجيه الحديث. (٢)

أدلة القائلين بنفي سماع الأموات مطلقاً:

استدل القائلون بنفي سماع الأموات لكلام الأحياء بأدلة، منها:

الأول: أنَّ في سياق آيتي النمل والروم ما يدل على أنَّ الموتى لا يسمعون، وبيان ذلك: أنَّ الله تعالى قال في تمام الآيتين: (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) حيث شبه سبحانه موتى الأحياء من الكفار بالصم، والصم لا يسمعون مطلقاً، بلا خلاف، وهذا يدل على أنَّ المشبه بهم، وهم الصم والموتى، لهم حكم واحد، وهو عدم السماع، وفي التفسير المأثور ما يدل على هذا، فعن قتادة قال - في تفسير الآية-: "هذا مثل ضربه الله للكافر، فكما لا يسمع الميت الدعاء، كذلك لا يسمع الكافر، (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ) يقول: لو أنَّ أصم ولّى مدبراً ثم ناديته، لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع، ولا ينتفع بما سمع" (٣). (٤)

الدليل الثاني: أنَّ عائشة، وعمر، وغيرهما من الصحابة - رضي الله عنهم -، فهموا الآيات على ظاهرها من نفي سماع الموتى مطلقاً، وفهمهم حجة، وهو دليل على أنَّ الآيات صريحة في نفي سماع الأموات، ومما يؤيد صحة فهمهم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرَّهم على ذلك، ولم يُنقل عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه خطأهم على فهمهم هذا. (٥)


(١) فتح القدير، لابن الهمام (٥/ ١٩٥).
(٢) الأجوبة عن المسائل المستغربة، لابن عبد البر، ص (١٩٢).
(٣) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (١٠/ ١٩٧).
(٤) انظر: مقدمة الألباني على كتاب "الآيات البينات في عدم سماع الأموات"، ص (٢٣).
(٥) انظر: مقدمة الألباني على كتاب "الآيات البينات في عدم سماع الأموات"، =

<<  <   >  >>