للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثالث: قوله تعالى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤)) [فاطر: ١٣ - ١٤]، وهذه الآية صريحة في نفي السماع عن أولئك الذين كان المشركون يدعونهم من دون الله تعالى، وهم موتى الأولياء والصالحين، فدل على أنَّ الموتى لا يسمعون مطلقاً. (١)

واعتُرِضَ: بأنَّ هذا التفسير مخالف لما عليه الأكثر من المفسرين؛ لأنهم قالوا: إنَّ المراد بالذين لا يسمعون في الآية: الأصنام؛ لأنها جمادات لا تضر ولا تنفع، وإذا كان المنفي في الآية سماع الجمادات، انتفى الاستدلال بها على نفي سماع الأموات.

وأجيب: بأنَّ الآية قد اختُلِفَ في تفسيرها على القولين المذكورين، والأصح أنَّ المراد بالذين لا يسمعون هم الموتى من الأولياء والصالحين، يدل على ذلك:

١ - قوله تعالى في تمام الآية السابقة: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) [فاطر: ١٤] والأصنام لا تُبعث؛ لأنها جمادات غير مكلفة كما هو معلوم، بخلاف العابدين والمعبودين، فإنهم جميعاً محشورون، كما قال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (١٨)) [الفرقان: ١٧ - ١٨].

٢ - وقوله تعالى: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (٢٣)) [نوح: ٢٣]، ففي التفسير المأثور عن ابن عباس - رضي الله عنه -: "أنَّ هؤلاء الخمسة أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أنْ انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً، وسموها


= ص (٢٤)، والمعلم بفوائد مسلم، للمازري (١/ ٣٢٤)، وفتح القدير، لابن الهمام (٥/ ١٩٥).
(١) انظر: مقدمة الألباني على كتاب "الآيات البينات في عدم سماع الأموات"، ص (٢٦).

<<  <   >  >>