للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن جرير في تفسير الآية: والموتى - أي الكفار - يبعثهم الله مع الموتى، فجعلهم تعالى ذكره في عداد الموتى الذين لا يسمعون صوتاً، ولا يعقلون دعاء، ولا يفقهون قولاً. اهـ (١)

الدليل الثالث: قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١)) [النحل: ٢٠ - ٢١]، حيث أخبر سبحانه بأنَّ هؤلاء الذين يدعونهم من دون الله أموات في قبورهم، ولا يشعرون متى يُبعثون، والشعور هو الإدراك بالحواس (٢)، وإذا كان هؤلاء الأموات لا يشعرون متى يُبعثون، ثبت نفي الشعور عنهم، وهذا يستلزم عدم إدراكهم مطلقاً، ويلزم من عدم إدراكهم أنَّ السماع مُنتفٍ في حقهم؛ لأنه من جملة ما يُشعر به.

الدليل الرابع: أنَّ هذا القول فيه إعمال للآيات والأحاديث معاً، بخلاف القول بإثبات السماع للأموات؛ فإنَّ القائلين به أوَّلوا الآيات ونفوا دلالتها على نفي السماع، وقد تقدم بيان أنَّ ما ذهبوا إليه ضعيف، وأنَّ الآيات صريحة في نفي السماع.

وأما الأحاديث التي تدل بظاهرها على أنَّ الموتى يسمعون، فهي على نوعين:

الأول: أحاديث صحيحة، وهذه على أقسام:

القسم الأول: أحاديث خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - دون غيره من الناس، وهي:

حديث القليب، وحديث السلام عليه - صلى الله عليه وسلم -، فالأول محمول على أنه من معجزاته - صلى الله عليه وسلم -، والثاني على أنه من خصائصه، على أنه لا مانع من حمل حديث القليب على أنَّ دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إياهم وافق وقت عودة الروح للبدن، وذلك عند المساءلة؛ فإنَّ الروح تعاد للبدن حينئذ.

القسم الثاني: حديث سماع الميت لقرع النعال، وهذا الحديث ليس فيه ما يدل على عموم السماع في كل الأحوال والأوقات، وقد تقدم بيان ذلك.


(١) تفسير الطبري (٥/ ١٨٤)، بتصرف.
(٢) انظر: مفردات ألفاظ القرآن، للراغب، مادة "شعر"، ص (٤٥٣).

<<  <   >  >>