للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن ابن عباس قال: "لا يصوم أحد عن أحد" (١). قالوا: فلما أفتى ابن عباس، وعائشة بخلاف ما روياه، دل ذلك على أَنَّ العمل على خلاف ما روياه. (٢)

وتُعقِّبَ: "بأن الآثار المذكورة عن عائشة، وعن ابن عباس، فيها مقال، وليس فيها ما يمنع الصيام، إلا الأثر الذي عن عائشة، وهو ضعيف جداً، والمعتبر عند أهل الأصول أَنَّ ما رواه الراوي مقدم على ما رآه، لاحتمال أنْ يُخالف ذلك لاجتهادٍ مستنده فيه لم يتحقق، ولا يلزم من ذلك ضعف الحديث عنده، وإذا تُحقق من صحة الحديث، لم يُترك المحقق للمظنون". (٣)

وأجيب: "بأَنَّ الاحتمال المذكور باطل؛ لأَنَّه لا يليق بجلالة قدر الصحابي أنْ يُخالف ما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأجل اجتهاده فيه، وحاشا الصحابي أنْ يجتهد عند النص بخلافه؛ لأَنَّه مصادمة للنص، وهذا لا يقال في حق الصحابي، وإنما فتواه بخلاف ما رواه إنما يكون لظهور نسخ عنده". (٤)

وأما الشافعي - في الجديد - فأعل حديث ابن عباس بأَنَّ ذِكْرَ الصيام فيه غير محفوظ، حيث قال: "فإنْ قيل: أفرُوي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّه أمر أحداً أنْ يصوم عن أحد؟ قيل: نعم، روى ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّه يصوم عنه وليه (٥). فإنْ قيل: فلم لا تأخذ به؟ قيل: لأَنَّ الزهري حدَّث عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نذراً ولم يسمه. مع حفظ الزهري، وطول مجالسة عبيد الله لابن عباس، فلما جاء غيره عن ابن عباس، بغير ما في حديث عبيد الله، أشبه أنْ لا يكون محفوظاً". اهـ (٦)


(١) السنن الكبرى، للنسائي (٢/ ١٧٥)، وقد تقدم استيفاء تخريجه قريباً.
(٢) انظر: مشكل الآثار، للطحاوي (٣/ ١٧٦ - ١٨٠)، والمحلى، لابن حزم (٤/ ٤٢٢)، ومعتصر المختصر، لأبي المحاسن الحنفي (١/ ١٤٣)، وعمدة القاري، للعيني (١١/ ٥٩ - ٦٠)، وفتح الباري، لابن حجر (٤/ ٢٢٨).
(٣) فتح الباري، لابن حجر (٤/ ٢٢٨). وانظر: المحلى، لابن حزم (٤/ ٤٢٣ - ٤٢٤).
(٤) عمدة القاري، للعيني (١١/ ٦٠).
(٥) قلت: ليس في حديث ابن عباس في الصيام عن الميت ذِكْرٌ للولي، وقد جاء ذلك في حديث عائشة، وقد تقدما في أول المسألة.
(٦) اختلاف الحديث، للشافعي، ص (٥٦١). وانظر: السنن الكبرى للبيهقي (٤/ ٢٥٦)، =

<<  <   >  >>