للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن عبد البر: «وفي هذا الحديث - يريد حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - دليل على أنَّ الغنيمة لا تُنقِصُ من أجر المجاهد شيئاً، وأنَّ المجاهدَ وافِرُ الأجر، غَنِمَ أو لم يَغنَم، ويَعضُدُ هذا ويشهد له: ما اجتمع على نَقْلِهِ أهلُ السِّير والعلم بالأثر أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ضَرَبَ لعثمان، وطلحة، وسعيد بن زيد، بأسْهُمِهِم يومَ بدر، وهم غيرُ حاضِرِي القتال، فقال كلُّ واحدٍ منهم: وأجري يا رسول الله؟ قال: «وأجرك». (١) وأجمعوا أنَّ تحليل الغنائم لهذه الأمَّة من فضائلها، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّؤوسِ قَبْلَكُمْ». (٢) وقال - صلى الله عليه وسلم -: «فُضِّلتُ بِخِصَالٍ ... » وذكر منها: «وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ». (٣) ولو كانت تُحبِطُ الأجر أو تُنقِصُه ما كانت فضيلة له». اهـ (٤)

وقد اختلف أصحاب هذا المذهب في الجواب عن حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، على أقوال:

الأول: أنَّ الحديث محمول على من خرج بنية الجهاد وطلب المغنم، فيكونُ نقصُ أجرهِ بسبب نيَّتِهِ لا بسبب أخذه من الغنيمة.

وهذا جواب القاضي عياض، واختيار أبي عبد الله القرطبي. (٥)

قال القاضي عياض: «وأصح ما يُجمَعُ فيه بين الحديثين أنَّ الأول قال فيه: «لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ»، فهذا الذي ضَمِنَ له الجنة، أو يُرَدُّ إلى بيته مع ما نال من أجر أو غنيمة، وهذا الحديث الآخر لم يشترط فيه هذا الشرط، فيُحتمل أنَّه فيمن خرج بنية الجهاد وطلب المغنم،


= (٦/ ٣٣٠)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٣/ ٧٤٩)، وتفسير القرطبي (٥/ ١٧٩).
(١) انظر: المستدرك للحاكم (٣/ ٤١٥، ٤٩٥).
(٢) أخرجه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: الإمام أحمد في مسنده (٢/ ٢٥٢)، والترمذي في سننه، في كتاب التفسير، حديث (٣٠٨٥)، وإسناده صحيح.
(٣) أخرجه من حديث جابر - رضي الله عنه -: البخاري في صحيحه، في كتاب الصلاة، حديث (٤٣٨)، ومسلم في صحيحه، في كتاب المساجد، حديث (٥٢١).
(٤) التمهيد، لابن عبد البر (١٨/ ٣٤١ - ٣٤٢)، والاستذكار (١٤/ ١٠).
(٥) تفسير القرطبي (٥/ ١٧٩).

<<  <   >  >>