للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا شَرَّكَ بما يجوز له التشريك فيه، وانقسمت نِيَّتُه بين الوجهين فنقص أجره، والأول أخلص فَكَمُلَ أجره». اهـ (١)

وتَعقَّبَه الحافظ ابن حجر فقال: «وفيه نظر؛ لأنَّ صَدْرَ الحديثِ مُصَرِّحٌ بأنَّ الْمُقْسِم رَاجِعٌ إِلَى مَنْ أَخْلَصَ؛ لقوله في أوله: لَا يُخْرِجهُ إِلَّا إِيمَان بِي وَتَصْدِيق بِرُسُلِي». اهـ (٢)

قلت: ليس في حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - ذكر هذا القيد، وهو قوله: «لَا يُخْرِجهُ إِلَّا إِيمَان بِي، وَتَصْدِيق بِرُسُلِي»، وإنما جاء هذا القيد في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وعليه فلا يُسَلَّم الاعتراض من ابن حجر.

القول الثاني: أنَّ المراد بنقص أجر من غنم: أنَّ الذي لا يغنم يزداد أجره لحزنه على ما فاته من الغنيمة، كما يؤجر من أُصيب بماله، فكان الأجر لِمَا نَقَص عن المضاعفة بسبب الغنيمة عند ذلك كالنقص من أصل الأجر.

وهذا جواب ابن عبد البر، وأبي العباس القرطبي. (٣)

قال ابن عبد البر في الجواب عن الحديث: يريد - والله أعلم - أنْ يكون الأجرُ مضاعفاً لها بما نالها من الخوف، وعلى ما فاتها من الغنيمة، كما يُؤجر من أُصيب بماله مضاعفاً، فيؤجر على ما يَتَكلّفُه من الجهاد أجر المجاهد، وعلى ما فاته من الغنيمة أجراً آخر، كما يُؤجر على ما يَذهَبُ من مالِهِ ونحوِ ذلك. اهـ (٤)

وللقاضي عياض جواب آخر قريب من هذا، قال: «وأوجه من هذا عندي في استعمال الحديثين على وجهيهما أيضاً: أنَّ نقص أجر الغانم بما فتح الله عز وجل عليه من الدنيا، وحساب ذلك بتمتعه عليه في الدنيا، وذهاب شَظَف عيشه في غزوه، وبُعْدِه، إذا قُوبِلَ بمن أخفق ولم يُصِبْ منها شيئاً، وبقي على شَظَف عيشه، والصبر على غزوه في حاله، وجَدَ أجر هذا أبداً في


(١) إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض (٦/ ٣٣٠ - ٣٣١).
(٢) فتح الباري، لابن حجر (٦/ ١٢).
(٣) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٣/ ٧٤٩).
(٤) الاستذكار، لابن عبد البر (١٤/ ١٢). بتصرف يسير، وانظر: التمهيد (١٨/ ٣٤٣).

<<  <   >  >>