للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك وافياً مطرداً، بخلاف الأول، ومثله في الحديث الآخر: «فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا (١)» (٢) فكان هذا إذا لم يهدب ثمرة الدنيا والاتساع فيما فتح عليه من مغانمها، وبقي على حالته الأولى، كان أجره في الصبر والتقلل على ما كان عليه، فلما خالف لم يكن له الأجر، فكأنه نقص بما كان له في التقدير، وكذلك هذا». اهـ (٣)

وتَعقَّبَ الحافظ ابن حجر هذا الجواب فقال: «ولا يخفى مُبايَنَةُ هذا التأويل لسياق حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه -». اهـ (٤)

القول الثالث: أنَّ حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما لا يَثْبُتْ؛ لأنَّه من رواية أبي هانئ حميد بن هانئ (٥)، وليس بمشهور.

وهذا رأي أبي الوليد الباجي، قال: «ولا يَصِحُّ حَمْلُ الحديث على عمومه؛ لأنَّا لا نعلم غازياً أعظم أجراً من أهل بدر، على ما أصابوا من الغنيمة. وقد رُوي عن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ - وكان ممن شهد بدراً - قال: «جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قَالَ: مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ. أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ». (٦) وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعمر بن الخطاب: «وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ


(١) يهدبها: أي يجنيها. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (٥/ ٢٤٩).
(٢) الأثر بتمامه عن خباب - رضي الله عنه - قال: «هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلَّا بُرْدَةً إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ الْإِذْخِرِ». أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الجنائز، حديث (١٢٧٦)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الجنائز، حديث (٩٤٠).
(٣) إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض (٦/ ٣٣١)، والنص يظهر أن فيه بعض التصحيفات، أصلحت بعضها من كتاب «إحكام الأحكام»، لابن دقيق العيد (٢/ ٣٠٤)، وقد نقل كلام القاضي بنصه لكن لم يكمله.
(٤) فتح الباري، لابن حجر (٦/ ١٢).
(٥) هو: حميد بن هانئ، أبو هانئ، الخولاني، المصري، قال أبو حاتم: صالح. وقال النسائي: ليس به بأس. وذكره ابن حبان في الثقات في التابعين، وقال الدارقطني: لا بأس به ثقة. وقال ابن عبد البر: هو عندهم صالح الحديث لا بأس به. روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، والأربعة. انظر: تهذيب التهذيب، لابن حجر (٣/ ٤٥).
(٦) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب المغازي، حديث (٣٩٩٢).

<<  <   >  >>