للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اختصاص ذلك بمسجد قباء دون المسجد النبوي، والتنويه بمزية هذا على ذاك. (١)

الإيرادات والاعتراضات على هذا المذهب وأدلته:

الإيراد الأول: إذا كان كل واحد من المسجدين قد أسس على التقوى، فما المزية التي أوجبت تعيينه - صلى الله عليه وسلم - مسجد المدينة دون مسجد قباء؟

وأجيب: بأن بناء مسجد قباء لم يكن بأمر جزم من الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -، بل نُدب إليه، أو كان رأياً رآه، بخلاف مسجد المدينة؛ فإنه أُمر بذلك، وجُزم عليه، فأشبه امتثال الواجب، فكان بذلك الاسم أحق. (٢)

ويحتمل أنْ تكون المزية لما اتفق من طول إقامته - صلى الله عليه وسلم - بمسجد المدينة، بخلاف مسجد قباء فما أقام به إلا أياماً قلائل. (٣)

الاعتراض الثاني: أنَّ قوله تعالى: (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) لا يفيد أنه مسجد قباء؛ لأن المعنى: أنه أسس على التقوى من أول مبتدأ تأسيسه، أي أنه لم يشرع فيه، ولا وضع حجر على حجر منه، إلا على اعتقاد التقوى. (٤)

قال الآلوسي: «ومعنى تأسيسه على التقوى من أول يوم: أنَّ تأسيسه على ذلك كان مبتدأ من أول يوم من أيام وجوده، لا حادثاً بعده، ولا يمكن أنْ يراد من أول الأيام مطلقاً». اهـ (٥)

الاعتراض الثالث: أنَّ القول بأن كلاً منهما قد أسس على التقوى يوحي بنوع استدراك على حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه حينما سُئل أي المسجدين أسس على التقوى؟ أجاب: بأنه مسجده، ولم يقل كلا المسجدين قد أسسا على التقوى، بل أشار إلى أنَّ مسجد قباء فيه خير كثير، فكيف يقال بعد ذلك أنَّ كلاً منهما قد أسسا على التقوى؟!


(١) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٣/ ٥٠٨ - ٥٠٩)، وفتح الباري، لابن حجر (٧/ ٢٨٩)، ومحاسن التأويل، للقاسمي (٥/ ٥٠٤ - ٥٠٥).
(٢) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٣/ ٥٠٩).
(٣) انظر: فتح الباري، لابن حجر (٧/ ٢٨٩).
(٤) انظر: أحكام القرآن، لابن العربي (٢/ ٥٨٥).
(٥) روح المعاني (١١/ ٣٠).

<<  <   >  >>