للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يصح فيه أنَّ الآية نزلت في مسجد قباء، بل الصحيح أنها نزلت في رجال من الأنصار، وقد قمت بتقصي طرق سبب نزول الآية ووجدت أنها كلها لا تخلوا من ضعف، غير أنَّ الطرق التي فيها التصريح بذكر مسجد قباء ضعيفة جداً، وقد استشكل جمع من العلماء هذه المسألة بسبب ذلك، لذا فإن القول المختار في سبب نزول الآية أنها نزلت في رجال من الأنصار كانوا في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليسوا في مسجد قباء، والله تعالى أعلم.

أدلة هذا الاختيار:

١ - أنَّ الحديث الذي ورد فيه التصريح بأنه مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - هو أقوى في الثبوت من أحاديث سبب نزول الآية، التي فيها أنها نزلت في مسجد قباء، حيث روي حديث مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم، وأما أحاديث سبب نزول الآية؛ فإن جميعها رويت من طرق لا تخلو من ضعف.

٢ - أنَّ الأحاديث الواردة في سبب نزول الآية، التي فيها التصريح بذكر مسجد قباء، رويت عن ستة من الصحابة - كما تقدم في تخريج سبب النزول - إلا أنَّ هذه الأحاديث لا يصح الاحتجاج بها؛ لأن أسانيدها لا تخلو من راوٍ كذاب، أو ضعيف جداً.

٣ - أنَّ النص الصريح الصحيح المرفوع للنبي - صلى الله عليه وسلم - مقدم على سبب النزول، وذلك عند التعارض. (١)

٤ - أنَّ قوله تعالى: (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) ليس المراد به: من أول أيام قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - لدار الهجرة، بل المراد من أول أيام تأسيس المسجد، والمعنى أنه أسس أول ما أسس على التقوى، لا على الضرار والكفر، يدل على هذا المعنى أنَّ هذه الآية وردت في مقابل الآية التي قبلها، وهي قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٠٧)) [التوبة: ١٠٧] فمسجد الضرار أسس أول ما أسس على الضرار والكفر والتفريق بين المؤمنين، لذلك أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بإحراقه


(١) انظر: روح المعاني، للآلوسي (١١/ ٢٩).

<<  <   >  >>