للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهدمه (١)؛ لأن بناءه لم يكن على أساس من التقوى والرضوان، وأما المسجد النبوي فأسس أول ما أسس على تقوى من الله ورضوان، ويؤيد هذا المعنى أيضاً قوله في الآية التي بعدها: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة: ١٠٩] فهذه الآية صريحة بأن المراد من أول أيام تأسيس المسجد، وأنه أسس أول ما أسس على التقوى.

٥ - ومما يؤكد أنَّ المراد مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله في الآية: (أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) حيث أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالقيام فيه، ومعلوم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُدِم القيام بمسجد قباء، وإنما كان يزوره ويصلي فيه في الأسبوع مرة واحدة (٢)، والذي كان يداوم على الصلاة فيه هو مسجده الذي في جوف المدينة، وما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنْ يخالف أمر ربه تبارك وتعالى فيترك مسجد قباء، وقد أُمِرَ بالقيام فيه، وإنما أمر بالقيام في مسجده - صلى الله عليه وسلم -، والذي هو مراد الآية.

الإيرادات والاعتراضات على هذا الاختيار:

الإيراد الأول: أنه قد صح عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنَّ المراد بالآية مسجد قباء (٣)، وهذا يدل على أنَّ لسبب النزول أصلاً صحيحاً.


(١) قصة مسجد الضرار وأمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بهدمه، أخرجها ابن جرير في تفسيره (٦/ ٤٦٩ - ٤٧٠)، وذكرها الحافظ ابن كثير في تفسيره (٢/ ٤٠٣)، وفي البداية والنهاية (٥/ ٢٠).
(٢) عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ، مَاشِيًا وَرَاكِبًا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَفْعَلُهُ». أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الجمعة، حديث (١١٩٣)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الحج، حديث (١٣٩٩).
(٣) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٦/ ٤٧٤)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٦/ ١٨٨٢)، كلاهما من طريق أبي صالح كاتب الليث، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، به. وإسناده حسن.
وممن قال من المفسرين إنَّ المراد به مسجد قباء: عروة بن الزبير، وعطية العوفي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، والشعبي، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وقتادة، وعبد الله بن بريدة، والضحاك.
انظر: تفسير الطبري (٦/ ٤٧٤)، وتفسير ابن أبي حاتم (٦/ ١٨٨٢).

<<  <   >  >>