للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجواب: أنه قد صح أيضاً عن ابن عمر (١)، وزيد بن ثابت (٢)، أنَّ المراد بالآية مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس قول بعض الصحابة بحجة على بعض إلا إذا اتفقوا، وليس في الآية اتفاق، فلم يبق إلا اعتبار الحديث.

الإيراد الثاني: أنه روي عن ستة من الصحابة أنَّ الآية نزلت في أهل قباء، وهي وإن كانت ضعيفة إلا إنه يشد بعضها بعضاً؛ لأن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أنَّ للقصة أصلاً. (٣)

والجواب: أنَّ القول بتقوية الحديث بكثرة طرقه ليس على إطلاقه، وقد نبّه على ذلك غير واحد من علماء الحديث المحققين، منهم الحافظ أبو عمرو بن الصلاح (٤)، حيث قال: «لعل الباحث الفهم يقول: إنا نجد أحاديث محكوماً بضعفها، مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة .... ، فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن؛ لأن بعض ذلك عضد بعضاً، كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفاً؟

وجواب ذلك: أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمنه ما يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئاً من ضعف حفظ راويه، ولم يختل فيه ضبطه له .... ، ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف، وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته، وذلك كالضعيف الذي ينشأ من كون الراوي متهماً بالكذب، أو كون الحديث شاذاً، وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث، فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة». اهـ (٥)

الإيراد الثالث: أنَّ الأحاديث التي فيها أنَّ الآية نزلت في رجال من


(١) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٦/ ٤٧٣)، وابن أبي شيبة في المصنف (٢/ ١٤٨)، كلاهما من طريق ربيعة بن عثمان، عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع، عن ابن عمر، به. وإسناده حسن.
(٢) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٦/ ٤٧٣)، والطبراني في الكبير (٥/ ١٢٦، ١٣٣). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٧/ ٣٤): «رواه الطبراني مرفوعاً وموقوفاً .... ، وأحد إسنادي الموقوف رجاله رجال الصحيح». اهـ
(٣) انظر: فتح الباري، لابن حجر (٨/ ٢٩٣).
(٤) هو: عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى بن أبي النصر النصري الشهرزوري الكردي الشرخاني، أبو عمرو، تقي الدين، المعروف بابن الصلاح: أحد الفضلاء المقدمين في التفسير والحديث والفقه، ولد في شرخان (قرب شهرزور) وانتقل إلى الموصل ثم إلى خراسان، فبيت المقدس حيث ولي التدريس في الصلاحية. وانتقل إلى دمشق، فولاه الملك الأشرف تدريس دار الحديث، وتوفي فيها. له كتاب (معرفة أنواع علم الحديث) يعرف بمقدمة ابن الصلاح، و (الأمالي) و (الفتاوى) جمعه بعض أصحابه، وغيرها. (ت: ٦٤٣ هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (٢٣/ ١٤٠)، والأعلام، للزركلي (٤/ ٢٠٧).
(٥) مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث، ص (٣٤ - ٣٥).

<<  <   >  >>