للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورُوي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: «التوبة معروضة على ابن آدم إن قَبلَهَا مالم تخرج إحدى ثلاث: مالم تطلع الشمس من مغربها، أو الدابة، أو فتح يأجوج ومأجوج». (١)

وهذا الأثر عن ابن مسعود - رضي الله عنه - لا يصح، وقد رُويَ عنه من عدة طرق أنه فسر الآية بطلوع الشمس من مغربها دون ذكر الدابة، أو يأجوج ومأجوج. (٢)

وأما حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - والذي فيه ذكر الثلاث؛ فقد قال بعض أهل العلم إنَّ التوبة تنقطع بخروج إحدى هذه الثلاث.

قال ابن هبيرة (٣): «حكم هاتين الآيتين (يعني الدابة، والدجال) في أنَّ نفساً لا ينفعها إيمانها، الحكم في طلوع الشمس من مغربها». اهـ (٤)

وقال المناوي: «كلٌ من الثلاثة مستبد في أنَّ الإيمان لا ينفع بعد مشاهدتها؛ فأيها تقدمت ترتب عليها عدم النفع». اهـ (٥)

لكن مذهب عامة أهل العلم أنَّ التوبة لا تنقطع إلا بطلوع الشمس من مغربها، وأما حديث أبي هريرة فلهم في الجواب عنه مسلكان:

الأول: مسلك قبول الحديث، مع توجيهه:

وهذا مذهب الجمهور من العلماء، حيث ذهبوا إلى توجيه الحديث،


= إجماعاً: البرزنجيُّ في «الإشاعة» ص (٢٧٣)، غير أنه لم يجزم بذلك، حيث قال: «أجمع المفسرون أو جمهورهم»، ونقل عبارته السفاريني في «لوامع الأنوار البهية» (٢/ ١٣٣)، وصديق حسن خان في «الإذاعة» ص (٢٠٦).
(١) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٥/ ٤١١)، والطبراني في الكبير (٩/ ١٩٠)، من طُرُقٍ عن المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال عبد الله .... ؛ فذكره. وفي سنده انقطاع، فإنَّ القاسمَ لم يَلْقَ ابنَ مسعود. قال علي بن المديني كما في «تهذيب التهذيب» (٨/ ٢٨٨): «لم يلق من الصحابة غير جابر بن سمرة». وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (١٠/ ١٩٨) وقال: «رواه الطبراني بإسناد منقطع».
(٢) انظر: تفسير ابن جرير الطبري (٥/ ٤٠٩ - ٤١٠).
(٣) هو: أبو المظفر، يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد بن الحسن بن جهم الشيباني الدوري العراقي الحنبلي، صاحب التصانيف، دخل بغداد في صباه وطلب العلم وجالس الفقهاء والأدباء، وسمع الحديث، وشارك في علوم الإسلام، ومهر في اللغة، وكان يعرف المذهب والعربية والعروض، سلفياً أثرياً، له كتاب «الإفصاح عن معاني الصحاح» شرح فيه صحيحي البخاري ومسلم في عشر مجلدات، وألف كتاب «العبادات» على مذهب الإمام أحمد. (ت: ٥٦٠هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي
(٢٠/ ٤٢٦)، والبداية والنهاية، لابن كثير (١٢/ ٢٥١).
(٤) نقله عنه ابن مفلح، في «الآداب الشرعية» (١/ ١١٦).
(٥) فيض القدير، للمناوي (٣/ ٢٩٨).

<<  <   >  >>