للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قدم الطلوع؛ لأن مدار عدم قبول التوبة متوقف عليه. (١)

ومما يؤكد أنَّ الترتيب غير مراد في الحديث: ذكر الدجال بين طلوع الشمس وخروج الدابة، وقد جاء في حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - أنَّ طلوع الشمس وخروج الدابة قريبان من بعضهما، ونص الحديث: «وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا». (٢)، وقد تقدم أنَّ مدة مكث الدجال إلى أن يقتله ابن مريم تُعد طويلة، وهذا دليل واضح بأن طلوع الشمس ليس بأول الثلاث، والله تعالى أعلم.

الإيراد الثالث: إذا كانت التوبة لا تنقطع إلا بطلوع الشمس من مغربها، فما فائدة ذكر الدجال والدابة في الحديث؟

والجواب: أنَّ ذكرهما هو بمثابة التحذير والإعلام بقرب طلوع الشمس من مغربها، فكأن خروجهما إرهاصٌ وإيذانٌ بقرب طلوع الشمس من مغربها، يدل على ذلك: حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن ربكم أنذركم ثلاثاً .... ، فذكر الدخان، والدابة، والدجال». (٣)


= قوله تعالى: (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ واسْجُدي وارْكَعي مَعَ الرَّاكِعِيْنَ) [آل عمران: ٤٣]. حيث قدم السجود على الركوع، ولو كانت الواو تفيد الترتيب؛ لقدم الركوع على السجود، وقال تعالى: (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ) [البقرة: ٥٨]، وقال في سورة الأعراف: (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا) [الأعراف: ١٦١]، فقدم وأخر مع أن القصة واحدة. وللمزيد انظر: معاني القرآن، للفراء (١/ ٣٩٦)، والمقتضب (١/ ١٠)، والكامل في الأدب (٢/ ٥٢٩)، كلاهما للمبرد، ومعاني الحروف؛ للرماني، ص (٥٩)، والصاحبي في فقه اللغة، لابن فارس، ص (١٥٧)، والفصول في الأصول، للرازي (١/ ٨٣)، وكشف الأسرار، للبخاري (٢/ ١٠٩)، وشرح التلويح، للتفتازاني (١/ ١٨٨)، ونيل الأوطار، للشوكاني (١/ ١٢٤)، وفتح القدير، له (١/ ١٥٣)، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم، لمحمد عضيمة (٣/ ٥٢١)، وأصول الفقه الإسلامي، لوهبة الزحيلي (١/ ٣٧٨ - ٣٨١).
(١) انظر: مرقاة المفاتيح، للملا علي القاري (١٠/ ١٠٧). وللإمام ابن القيم الجوزية كلام نفيس في فوائد التقديم، حيث ذكر أن المعاني تتقدم بأحد خمسة أشياء: إما بالزمان، وإما بالطبع، وإما بالرتبة، وإما بالسبب، وإما بالفضل والكمال. وقد فصَّل ومثل لذلك، فانظره في كتابه «بدائع الفوائد» (١/ ٥٨).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الفتن وأشراط الساعة، حديث (٢٩٤١).
(٣) أخرجه ابن جرير في تفسيره (١١/ ٢٢٧)، حديث (٣١٠٦٢)، والطبراني في الكبير =

<<  <   >  >>