للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانا تابا من الشرك، فلا يليق بحكمة الله وعدله ورحمته أنْ يذكر خطأهما ولا يذكر توبتهما منه، فيمتنع غاية الامتناع أنْ يذكر الله الخطيئة من آدم وحواء وقد تابا، ثم لا يذكر توبتهما، والله تعالى إذا ذكر خطيئة بعض أنبيائه ورسله ذكر توبتهم منها، كما في قصة آدم نفسه حين أكل من الشجرة هو وزوجه وتابا من ذلك. (١)

الدليل السابع: أنه ثبت في حديث الشفاعة أنَّ الناس يأتون إلى آدم يطلبون منه الشفاعة، فيعتذر بأكله من الشجرة (٢) - التي عصى الله تعالى بالأكل منها في الجنة - فلو كان وقع منه الشرك، لكان اعتذاره منه أقوى وأولى وأحرى. (٣)

الدليل الثامن: أنَّ الله تعالى أسند فعل الذرية إلى آدم وحواء؛ لأنهما أصل لذريتهما، كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) [الأعراف: ١١] أي بتصويرنا لأبيكم آدم؛ لأنه أصلهم، بدليل قوله بعده: (ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ) [الأعراف: ١١]. (٤)


(١) انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد (٣/ ٦٧).
(٢) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَشَ مِنْهَا نَهْشَةً ثُمَّ قَالَ: أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنْ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بِآدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًاً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي .... ».
أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، حديث (٣٣٤٠)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، حديث (١٩٤).
(٣) انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد، لابن عثيمين (٣/ ٦٧).
(٤) انظر: أضواء البيان، للشنقيطي (٢/ ٣٤١).

<<  <   >  >>