للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحد منهم من نفس واحدة، وجعل من جنسها زوجها، ولما كان من طبيعة البشر حب الولد ذكر الله تعالى أنَّ هذين الزوجين كانا حريصين على أنْ يرزقا بولد صالح لينتفعا به، وأنهما قد عاهدا الله لأن آتاهما صالحاً ليكونن من الشاكرين، فلما آتاهما صالحاً جعلا لله شركاء فيما آتاهما، حيث نسبا هذه النعمة لغير الله؛ وعبدا أولادهما لغير الله، ثم أخبر سبحانه أنه منزهٌ عما يُشرك به هؤلاء، وغيرهم؛ فقال: (فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الأعراف: ١٩٠].

والآيات مراد بها ذكر الجنس لا النوع؛ فقوله تعالى: (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) أي من جنس واحدة، وقوله: (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) أي وجعل من هذا الجنس زوجةً هي على شاكلته، ولم يجعلها من جنس آخر، ولفظ النفس قد يطلق ويراد به الجنس، كما في قوله تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ) [آل عمران: ١٦٤] أي من جنسهم. (١)

أدلة هذا الاختيار:

ذكرت فيما سبق ثمانية أدلة تؤيد هذا الاختيار (٢)، وهي أدلة قوية، ويمكن أنْ يضاف إليها أدلة أخرى، منها:

١ - أنَّ الله تعالى قال في هذه الآيات: (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا)، وقال في سورة النساء: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) (٣) [النساء: ١] وآية النساء معني بها آدم وحواء باتفاق، وعبر بقوله: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا)؛ لأن حواء مخلوقة من نَفْسِ آدم، وأما في آية الأعراف فقال: (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا)؛ لأن المراد ذكر الجنس، لا ذكر النوع، وهو آدم، والفرق بين الخلق والجعل: «أنَّ الخلق يكون عن عدمٍ سابق، بحيث لا يتقدمه مادة ولا سبب محسوس، وأما الجعل فيتوقف على موجودٍ مغايرٍ للمجعول، يكون منه المجعول أو عنه


(١) انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد، لابن عثيمين (٣/ ٥٧).
(٢) انظرها - في أدلة القائلين بأن الآية معني بها غير آدم وحواء - عليهما السلام، في المذهب الثاني من المسألة.
(٣) نص الآية كاملة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء) [النساء: ١].

<<  <   >  >>