كالمادة والسبب، ولا يرد في القرآن العظيم لفظ جعل في الأكثر مراداً به الخلق إلا حيث يكون قبله ما يكون عنه، أو منه، أو شيئاً فيه محسوساً عنه، فيُكوِّن ذلك المخلوق الثاني، بخلاف (خَلَقَ) فإن العبارة تقع كثيراً به عما لم يتقدم وجوده وجودٌ مغايرٌ يكون عنه هذا الثاني» (١)، وقد تأتي (خَلَقَ) في القرآن بمعنى (جَعَلَ)، بخلاف (جَعَلَ)؛ إذ بينهما عموم وخصوص، فكل خلق جعل، وليس كل جعل خلق.
إذا علمت هذا فإن التعبير بـ (جعل) في آية الأعراف يؤكد القول بأن الآيات معني بها الجنس من بني آدم؛ لأن هذا هو حال كل فرد منهم؛ فإنهم يتناسلون ويتوالدون من بعضهم البعض، وأما حواء فإنها خُلِقَتْ ابتداء من آدم من غير أمٍّ ولا أبٍ.
وقد وردت عدة آيات تدل على أنه إذا ورد لفظ «جعل» فالمراد به الجنس، منها: قوله تعالى: (وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً)[النحل: ٧٢]، وقال تعالى:(خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ)[الزمر: ٦]، وقال تعالى:(جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ)[الشورى: ١١].
٢ - ومما يؤكد أنَّ الآيات معنيٌّ بها المشركون على وجه العموم: أنه لم يُصرح بذكر آدم وحواء - عليهما السلام - في الآيات، والمتأمل في قصص الأنبياء الواردة في القرآن الكريم يلاحظ التصريح بذكر أسمائهم، في الغالب، ومن هؤلاء آدم عليه السلام؛ فإنه إذا ذُكرت قصته يذكر باسمه الصريح غالباً.
٣ - ويدل على أنَّ الآيات في المشركين عامة: الاستطراد في الآيات التي بعد هذه الآيات في وصف حال مشركي العرب، وهي صريحة بأنهم هم المرادون بهذا الشرك، لا آدم وحواء - عليهما السلام.