للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا رأي: ابن فورك، وابن العربي (١)، وابن حزم، وابن عطية (٢)، والثعالبي (٣)، والآلوسي (٤).

قال ابن فورك: «لا معنى لتوهين الحديث، لأنه قد صح، وليس بمنكر استغفاره عليه السلام، لأنها لا تستحيل عقلاً، والإجابة ممكنة، ولو خلينا وظاهر الآية لكان الزائد على السبعين يقتضي الغفران; لكنه نزل بعده: (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا) فدل ذلك على زوال حكم المفهوم; فإنَّ صلاته عليه السلام توجب المغفرة، ولهذا امتنع من الصلاة على المدين (٥)». اهـ (٦)

وقال ابن حزم: «فإن قال قائل: فما كان مراد الله بالتخيير الذي حمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التخيير، وبذكره تعالى السبعين مرة؟

فالجواب: أنه عز وجل خير نبيه في ذلك على الحقيقة، فكان مباحاً له أنْ يستغفر لهم ما لم يُنْهَ عن ذلك، وأما ذِكْرُ السبعين فليس في الاقتصار عليه إيجاب أنَّ المغفرة تقع لهم بما زاد على السبعين، ولا فيه أيضاً منعٌ من وقوع المغفرة لهم بما زاد على السبعين؛ إلا أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طمع ورجا إنْ زاد على السبعين أنْ يُغفر لهم، ولم يحقق أنَّ المغفرة تكون بالزيادة، فلما أعلمه الله تعالى بما كان في علمه عز وجل، ولم يكن أعلمه قبل ذلك به، عَلِمَه حينئذ نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن عَلِمَ قبل نزول المنع من الاستغفار لهم بالبتِّ أنَّ ما زاد على السبعين غير مقبول، فدعا راجٍ لم ييأس من المغفرة، ولا أيقن بها، وهذا بين في لفظ الحديث، وبالله تعالى التوفيق». اهـ (٧)


(١) أحكام القرآن (٢/ ٥٥٨)، وعارضة الأحوذي (١١/ ١٧٦)، كلاهما لابن العربي.
(٢) المحرر الوجيز، لابن عطية (٣/ ٦٤).
(٣) تفسير الثعالبي (٢/ ١٤٥).
(٤) روح المعاني، للآلوسي (١٠/ ٤٦٩).
(٥) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ - رضي الله عنه -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟ قَالُوا: لا؛ فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَصَلَّى عَلَيْهِ». أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الحوالات، حديث (٢٢٩٥).
(٦) نقله عنه الزركشي في البحر المحيط (٥/ ١٧٤).
(٧) الإحكام في أصول الأحكام (٣/ ٢٩٠)، باختصار.

<<  <   >  >>