للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثاني: أنَّ الله تعالى لما سوى بين الاستغفار وعدمه، ورتب عليه عدم القبول، ولم يَنْهَ عنه، فهم أنه خير ومرخص فيه، وهذا مراده - صلى الله عليه وسلم -، لا أنه فهم التخيير من «أو» حتى ينافي التسوية بينهما، المرتب عليها عدم المغفرة، وذلك تطييباً لخاطرهم، وأنه لم يألُ جهداً في الرأفة بهم.

وهذا رأي الشهاب الخفاجي، والطاهر بن عاشور، وذكره القاسمي. (١)

قال الشهاب: «والتحقيق أنَّ المراد التسوية في عدم الفائدة، وهي لا تنافي التخيير». اهـ (٢)

القول الثالث: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك رجاء حصول المغفرة، بناء على بقاء حكم الأصل، فإنَّ رجاءها كان ثابتاً قبل نزول الآية، لا لأنه فهمه من التقييد.

قاله الزركشي. (٣)

القول الرابع: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك من باب التلطف والرأفة، لا أنه فَهِمَ أنه لو زاد على السبعين يُغفر له.

وهذا اختيار: الزمخشري، والقاضي عياض، والعيني (٤).

قال الزمخشري: «فإن قلت: كيف خفي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أفصح العرب، وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته، والذي يفهم من ذكر هذا العدد كثرة الاستغفار، كيف وقد تلاه بقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ)، فبين الصارف عن المغفرة لهم، حتى قال: «قد رخَّص لي ربي فسأزيد على السبعين» (٥)؟

قلت: لم يخفَ عليه ذلك، ولكنه خُيّل بما قال إظهاراً لغاية رحمته ورأفته على من بُعث إليه، كقول إبراهيم عليه السلام: (وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ


(١) انظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور (١٠/ ٢٧٩)، ومحاسن التأويل، للقاسمي (٥/ ٤٦٥).
(٢) حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (٤/ ٣٤٨).
(٣) البحر المحيط، للزركشي (٥/ ١٧٣).
(٤) عمدة القاري، للعيني (١٨/ ٢٧٥).
(٥) لم أقف عليه بهذا اللفظ.

<<  <   >  >>