للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَّحِيمٌ) [إبراهيم: ٣٦]، وفي إظهار النبي - صلى الله عليه وسلم - الرأفة والرحمة لطف لأمته، ودعاء لهم إلى ترحم بعضهم على بعض». اهـ (١)

وقال القاضي عياض: «ظاهر قوله تعالى: (إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) المبالغة في التكثير ومنع الاستغفار، والعرب تضع التسبيع أبداً موضع التضعيف، وإنْ جاوزه، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع علمه بمقاصد الكلام رجاه، لعل الله يرحمه، إذ الاحتمال فيما بعد السبعين مُحالٌ يُخالف الظاهر». اهـ (٢)

وتُعُقّبَ كلام الزمخشري: «بأن ذكره للتمويه والتخييل بعد ما فهم عليه الصلاة والسلام منه التكثير لا يليق بمقامه الرفيع، وفهم المعنى الحقيقي من لفظ اشتهر مجازه لا ينافي الفصاحة والمعرفة باللسان؛ فإنه لا خطأ فيه ولا بُعْد، إذ هو الأصل ورجحه عنده عليه الصلاة والسلام شغفه بهدايتهم، ورأفته بهم، واستعطاف من عداهم، ولعل هذا أولى من القول بالتمويه بلا تمويه». (٣)

القول الخامس: أنَّ الاستغفار يتنزل منزلة الدعاء، والعبد إذا سأل ربه حاجة؛ فسؤاله إياه يتنزل منزلة الذكر، لكنه من حيث طلب تعجيل حصول المطلوب ليس عبادة، فإذا كان كذلك والمغفرة في نفسها ممكنة، وتعلق العلم بعدم نفعها لا بغير ذلك، فيكون طلبها لا لغرض حصولها بل لتعظيم المدعو، فإذا تعذرت المغفرة عُوّض الداعي عنها ما يليق به من الثواب أو دفع السوء، وقد يحصل بذلك عن المدعو لهم تخفيف كما في قصة أبي طالب.

قاله ناصر الدين ابن المُنَيِّر. (٤)

واعتُرِضَ: بأن هذا القول يستلزم مشروعية طلب المغفرة لمن تستحيل المغفرة له شرعاً، وقد ورد إنكار ذلك في قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ


(١) الكشاف، للزمخشري (٢/ ٢٨٦).
(٢) إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض (٧/ ٤٠٤).
(٣) انظر: روح المعاني، للآلوسي (١٠/ ٤٧٢).
(٤) نقله الحافظ ابن حجر في الفتح (٨/ ١٩٠).

<<  <   >  >>