للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثالث: شك ابن عباس (١)، وجابر (٢)، وتعجب عمر من معارضة النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته على عبد الله بن أبي، وإقراره بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعرف منه، كل ذلك يدل على أنَّ كفره لم يكن معروفاً ظاهراً.

واعتُرِضَ: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرْ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا» (٣)؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - فهم من الآية أنَّ الله لا يغفر له، فدل على أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم بأنه مات على الكفر والنفاق.

واعتُرِضَ أيضاً: بأن في بقية الآية التصريح بأنهم كفروا بالله ورسوله، فكيف يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعلم بحاله؟

وأجيب: بأن الذي نزل أولاً وتمسك النبي - صلى الله عليه وسلم - به هو قوله تعالى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ)، وأما بقية الآية فنزل متراخياً عن أولها. وهذا رأي الحافظ ابن حجر. (٤)

القول الثاني: أنَّ المنهي عنه هو الاستغفار الذي تُرجى إجابته، حتى يكون مقصوده تحصيل المغفرة للمُسْتَغْفَرِ له، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي طالب؛ فإنه إنما استغفر له كما استغفر إبراهيم - عليه السلام - لأبيه، على جهة أنْ يجيبهما الله


(١) عن عكرمة قال: «لما حضر عبدَ الله بن أبي الموتُ، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: فدخل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجرى بينهما كلام فقال له عبد الله بن أبي: قد أفقه ما تقول ولكن مُنَّ عَليَّ اليوم وكفني بقميصك هذا، وصلِّ علي؟ قال ابن عباس: فكفنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقميصه وصلى عليه، والله أعلم أي صلاة كانت، أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يخدع إنساناً قط». أخرجه ابن حزم في المحلى (١٢/ ١٣٩).
(٢) عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر عبد الله بن أبي - وقد وضع في حفرته - فوقف فأمر به فأخرج من حفرته، فوضعه على ركبتيه، وألبسه قميصه، ونفث عليه من ريقه، والله أعلم». أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب اللباس، حديث (٥٧٩٥)، ومسلم في صحيحه، في كتاب صفات المنافقين، حديث (٢٧٧٣). وقوله: «والله أعلم» إشارة إلى الشك في إسلام عبد الله بن أبي؛ فإن هذه الأمور التي فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - معه لا تفعل إلا مع مسلم. انظر: طرح التثريب، للعراقي (٣/ ٢٨١).
(٣) سبق تخريجه في أول المسألة.
(٤) انظر: فتح الباري، لابن حجر (٨/ ١٩٠).

<<  <   >  >>