للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى، فيغفر للمدعو له، وهذا النوع هو الذي يتناوله منع الله ونهيه، وأما الاستغفار لأولئك المنافقين الذين خُيِّر فيهم فهو استغفار لساني؛ علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يقع ولا ينفع، وغايته لو وقع تطييب قلوب بعض الأحياء من قرابات المستغفر لهم، فانفصل المنهي عنه من المخير فيه، وارتفع الإشكال.

قاله أبو العباس القرطبي. (١)

واختاره: أبو عبد الله القرطبي. (٢)

ويدل على هذا القول: رواية: «لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرْ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا» (٣)، وهي صريحة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم بأن استغفاره لن ينفعه بشيء.

واعتُرِضَ: بأن هذا القول لا يجوز نسبته للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله أخبر بأنه لا يغفر للكفار، وإذا كان لا يغفر لهم فطلب المغفرة لهم مستحيل، وطلب المستحيل لا يقع من النبي صلى الله عليه وسلم. (٤)

القول الثالث: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُصلِ على عبد الله بن أبي، ولم يشهد جنازته.

وهذا اختيار أبي جعفر الطحاوي. (٥)

قال أبو جعفر: «وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - ما قد دل على أنه لم يكن صلى عليه؛ فعن جابر - رضي الله عنه - قال: «أَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ابْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ» (٦)، وعنه قال: «لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ جَاءَ ابْنُهُ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّكَ إنْ لَمْ تَشْهَدْهُ لَمْ نَزَلْ نُعَيَّرُ بِهِ. فَأَتَاهُ، وَقَدْ أُدْخِلَ فِي حُفْرَتِهِ


(١) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٢/ ٦٤١).
(٢) تفسير القرطبي (٨/ ١٤٠).
(٣) سبق تخريجه في أول المسألة.
(٤) انظر: فتح الباري، لابن حجر (٨/ ١٩٠).
(٥) مشكل الآثار، للطحاوي (١/ ٧٥).
(٦) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب اللباس، حديث (٥٧٩٥)، ومسلم في صحيحه، في كتاب صفات المنافقين، حديث (٢٧٧٣).

<<  <   >  >>