للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جبريل عليه السلام بأنْ يمنعه من الإيمان، ولو قيل: إن جبريل عليه السلام إنما فعل ذلك من عند نفسه لا بأمر الله تعالى فهذا يُبطله قول جبريل: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) [مريم: ٦٤]، وأما إن قيل: إنَّ التكليف كان زائلاً عن فرعون في ذلك الوقت فحينئذ لا يبقى لهذا الفعل الذي نُسِبَ جبريل إليه فائدة أصلاً». اهـ (١)

وقد تعقب العلماء هذه الجرأة من الزمخشري والرازي في ردهما للحديث وإنكاره.

فقال الحافظ ابن حجر في رده على الزمخشري: «هذا إفراط منه في الجهل بالمنقول والغض من أهله، فإن الحديث صحيح بالزيادة ... ». اهـ (٢)

وقال الخازن في رده على الرازي: «أما قول الإمام: «إنَّ التكليف هل كان ثابتاً في تلك الحالة أم لا؟ فإنَّ كان ثابتاً لم يجز لجبريل أن يمنعه من التوبة»، فجوابه: أَنَّ هذا القول لا يستقيم على أصل المثبتين للقدر، القائلين بخلق الأفعال لله، وأنَّ الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وهذا قول أهل السنة المثبتين للقدر، فإنهم يقولون: إنَّ الله يحول بين الكافر والإيمان، ويَدُلُّ على ذلك قوله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال: ٢٤]، وقوله تعالى: (وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ) [البقرة: ٨٨]، وقال تعالى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الأنعام: ١١٠]، فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه قلَّبَ أفئدتهم مثل تركهم الإيمان به أول مرة، وهكذا فَعَلَ بفرعون، منعه من الإيمان عند الموت جزاء على تركه الإيمان أولاً، فَدَسُّ الطين في فم فرعون من جنس الطبع والختم على القلب، ومنع الإيمان وصون الكافر عنه، وذلك جزاء على كفره السابق، وهذا قول طائفة من المثبتين للقدر القائلين بخلق الأفعال لله.

ومن المنكرين لخلق الأفعال من اعترف أيضاً أَنَّ الله سبحانه وتعالى يفعل هذا عقوبة للعبد على كفره السابق؛ فيحسُن منه أنْ يُضِلَّه ويطبع على قلبه ويمنعه من الإيمان.


(١) مفاتيح الغيب، للرازي (١٧/ ١٢٥).
(٢) الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف، لابن حجر (٢/ ٣٥٤).

<<  <   >  >>