فأما قصة جبريل عليه السلام مع فرعون فإنها من هذا الباب، فإنَّ غاية ما يقال فيه: إنَّ الله سبحانه وتعالى منع فرعون من الإيمان وحال بينه وبينه عقوبة له على كفره السابق، ورَدُّهُ للإيمان لما جاءه.
وأما فعل جبريل من دَسِّ الطين في فيه فإنما فعل ذلك بأمر الله لا من تلقاء نفسه.
وأما قول الإمام:«لم يَجُزْ لجبريل أنْ يمنعه من التوبة بل يجب عليه أن يعينه عليها وعلى كل طاعة»، فالجواب: أَنَّ هذا إذا كان تكليف جبريل كتكليفنا، يجب عليه ما يجب علينا، وأما إذا كان جبريل إنما يفعل ما أمره الله به، والله سبحانه وتعالى هو الذي منع فرعون من الإيمان، وجبريل منفذ لأمر الله، فكيف لا يجوز له منع من منعه الله من التوبة، وكيف يجب عليه إعانة من لم يُعِنْه الله، بل قد حكم عليه وأخبر عنه أنه لا يؤمن حتى يرى العذاب الأليم، حين لا ينفعه الإيمان.
وقد يقال: إنَّ جبريل عليه السلام إما أنْ يتصرف بأمر الله فلا يفعل إلا ما أمر الله به، وإما أنْ يفعل ما يشاء من تلقاء نفسه لا بأمر الله، وعلى هذين التقديرين فلا يجب عليه إعانة فرعون على التوبة، ولا يحرم عليه منعه منها؛ لأنه إنما يجب عليه فعل ما أُمِرَ به، ويحرم عليه فعل ما نُهيَ عنه، والله سبحانه وتعالى لم يُخْبِر أنه أمره بإعانة فرعون، ولا حَرَّمَ عليه منعه من التوبة، وليست الملائكة مكلفين كتكليفنا.
وقوله:«وإنْ كان التكليف زائلاً عن فرعون في ذلك الوقت فحينئذ لا يبقى هذا الذي نُسب إلى جبريل فائدة»، جوابه: أنْ يُقال: إنَّ للناس في تعليل أفعال الله قولين:
أحدهما: أَنَّ أفعاله لا تُعلل، وعلى هذا التقدير فلا يرد هذا السؤال أصلاً، وقد زال الإشكال.
والقول الثاني: أَنَّ أفعاله تبارك وتعالى لها غاية بحسب المصالح التي لأجلها فعلها، وكذا أوامره ونواهيه، لها غاية محمودة محبوبة لأجلها أمر بها ونهى عنها، وعلى هذا التقدير قد يقال لما قال فرعون: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، وقد علم جبريل أنه ممن حقت عليه كلمة