للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الأول: تسمية النبي - صلى الله عليه وسلم - لها كذبات، ولو كانت من المعاريض لبين ذلك، فقال: لم يكذب إبراهيم، وإنما أراد التعريض.

الدليل الثاني: أنَّ إبراهيم - عليه السلام - سماها كذبات، ولو كانت من المعاريض لما أطلق عليها لفظ الكذب.

الدليل الثالث: اعتذار إبراهيم من كذباته يوم القيامة، ولو كانت من المعاريض لما خاف منها، واعتذر لها.

الدليل الرابع: أنَّ الآيات صريحة بأنه قال كلاماً هو خلاف الواقع، ولا يمكن حملها على التعريض والتورية، وما ذكره أصحاب المذهب الأول في توجيه الآيات وحملها على المعاريض يُعدُّ بعيداً جداً، وفيه تكلف يأباه النظم الكريم، والحق وجوب حملها على ظاهرها، دون تكلف أو تأويل.

وهذا القول ليس فيه قدح بعصمة النبي، إبراهيم الخليل - عليه السلام -؛ لأنه لو كان ما فعله مذموماً؛ لأنكر الله عليه فعله هذا، وإنَّ في إقرار الله له؛ لدليلاً على جواز ما فعله.

وأما اعتذار إبراهيم - عليه السلام - يوم القيامة؛ فلإشفاقه من هول ذلك الموقف، وقد اعتذر كل الأنبياء - سوى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - عن أمور اعتقدوها ذنوباً، وليست كذلك، وإنما كان اعتذارهم إشفاقاً وخوفاً من هول ذلك الموقف.

وأما القول بأن نسبة الكذب إلى الأنبياء يرفع الوثوق بهم، فإن هذا افتراض عقلي لا ينبغي إيراده؛ لأن الله تعالى لا يمكن أنْ يقرَّهم على الكذب، على فرض وجوده، والحق أنَّ الأنبياء لا يستطيعون قَدَرَاً إيقاع الكذب، فيما يتعلق بالبلاغ؛ لأن الله تعالى اصطفاهم واختارهم من سائر البشر، وعصمهم من كل ما يَشِينُ إلى دعوتهم ورسالتهم.

قال المازري: «أما الكذب فيما طريقه البلاغ عن الله تعالى؛ فالأنبياء معصومون منه، سواء كثيره وقليله، وأما مالا يتعلق بالبلاغ ويعد من الصغائر، كالكذبة الواحدة في حقير من أمور الدنيا، ففي إمكان وقوعه منهم وعصمتهم منه القولان المشهوران للسلف والخلف». اهـ (١)


(١) المعلم بفوائد مسلم، للمازري (٣/ ١٣١).

<<  <   >  >>