للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا المسلك قال به ابن الجوزي، والنووي. (١)

المسلك الثاني: حمل الأوصاف المذكورة في الحديثين على الحقيقة.

حيث ذهب الحافظ ابن حجر إلى أنَّ ما ذُكِرَ في الأحاديث محمول على الحقيقة؛ لأن كل أحدٍ يُبعث يوم القيامة على ما مات عليه، فالحامل تُبعث حاملاً، والمرضع تُبعث مرضعاً، والطفل يُبعث طفلاً؛ فإذا وقعت زلزلة الساعة، وقيل ذلك لآدم، ورأى الناس آدم، وسمعوا ما قيل له، وقع بهم من الوجل ما يسقط معه الحمل، ويشيب له الطفل، وتذهل به المرضعة.

قال: «ويحتمل أنْ يكون ذلك بعد النفخة الأولى، وقبل النفخة الثانية، ويكون خاصاً بالموجودين حينئذ، وتكون الإشارة بقوله: «فذاك» إلى يوم القيامة، وهو صريح في الآية، ولا يمنع من هذا الحمل ما يتخيل من طول المسافة بين قيام الساعة، واستقرار الناس في الموقف، ونداء آدم لتمييز أهل الموقف؛ لأنه قد ثبت أنَّ ذلك يقع متقارباً؛ كما قال الله تعالى: (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ (١٤)) [النازعات: ١٣ - ١٤]، يعني أرض الموقف، وقال تعالى: (يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (١٧) السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ) [المزمل: ١٧ - ١٨]، والحاصل أنَّ يوم القيامة يطلق على ما بعد نفخة البعث من أهوال وزلزلة وغير ذلك إلى آخر الاستقرار في الجنة أو النار». اهـ (٢)

ولابن العربي جواب آخر، حيث يرى أنَّ يوم الزلزلة يكون عند النفخة الأولى، وفيه ما يكون فيه من الأهوال العظيمة، ومن جملتها ما يقال لآدم، ولا يلزم من ذلك أن يكون ذلك متصلاً بالنفخة الأولى، بل له محملان:

أحدهما: أنْ يكون آخر الكلام منوطاً بأوله، والتقدير: يقال لآدم ذلك في أثناء اليوم الذي يشيب فيه الولدان، وغير ذلك.

وثانيهما: أنْ يكون شيب الولدان عند النفخة الأولى حقيقة، والقول


(١) انظر على الترتيب: كشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (٣/ ١٤٩)، وشرح صحيح مسلم، للنووي (٣/ ١٢٢).
(٢) فتح الباري، لابن حجر (١١/ ٣٩٨).

<<  <   >  >>