حيث ذهب هؤلاء إلى تضعيف الحديث الوارد في سبب نزول الآية، والإجابة عنه على التسليم بثبوته.
قال القاضي عياض:«اعلم ـ أكرمك الله ـ أنَّ لنا في الكلام على مشكل هذا الحديث مأخذين: أحدهما: في توهين أصله، والثاني: على تسليمه؛ أما المأخذ الأول .... »، ثم ذكر هذا المأخذ مبيناً فيه علل الحديث، وقد نقلتُ لك كلامه عند تخريجي للحديث.
ثم قال: «فأما من جهة المعنى؛ فقد قامت الحجة، وأجمعت الأمة على عصمته - صلى الله عليه وسلم - ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، إما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا، من مدح آلهةٍ غير الله، وهو كفر، أو أن يَتَسَوَّرَ عليه الشيطان، ويشبِّهَ عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه، ويعتقد النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ من القرآن ما ليس منه، حتى ينبهه جبريل عليه السلام، وذلك كله ممتنع في حقه - صلى الله عليه وسلم -، أو يقول ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - من قِبَلِ نفسه عمداً؛ وذلك كفر، أو سهواً؛ وهو معصوم من هذا كله. وقد قررنا بالبراهين والإجماع عصمته - صلى الله عليه وسلم - من جريان الكفر على قلبه أو لسانه، لا عمداً ولا سهواً، أو أن يشتبه عليه ما يلقيه الملك بما يلقي الشيطان، أو يكون للشيطان عليه سبيل، أو أن يتقوَّلَ على الله، لا عمداً ولا سهواً، ما لم يُنْزلْ عليه، وقد قال الله تعالى:(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦)) [الحاقة: ٤٤ - ٤٦]، وقال تعالى:(وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (٧٥)) [الإسراء: ٧٣ـ٧٥] .... ».
ثم قال:«فلم يبق في الآية إلا أنَّ الله تعالى امتنَّ على رسوله بعصمته وتثبيته مما كاده به الكفار، وراموا من فتنته، ومرادنا من ذلك تنزيهه وعصمته - صلى الله عليه وسلم -، وهو مفهوم الآية». اهـ (١)
أجوبة أصحاب هذا المسلك عن الحديث على التسليم بثبوته:
أصحاب هذا المسلك ينكرون ثبوت القصة مطلقاً؛ إلا أنهم أجابوا
(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (٢/ ٧٩ - ٨١)، باختصار.