للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنها بأجوبة، وذلك على التسليم بصحتها، ومن أجوبتهم:

الجواب الأول: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرتل القرآن بمحضر من مشركي قريش، فارتصده الشيطان في سكتة من سكتاته، فنطق بتلك الكلمات محاكياً نغمة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فسمعها من دنا إليه من المشركين، وظنها من قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فأشاعوها وتناقلوها على أنها من قوله - صلى الله عليه وسلم -.

وممن قال بهذا الجواب:

ابن العربي، والقاضي عياض، وابن الجوزي، وأبو عبد الله القرطبي، وابن كثير، والتفتازاني، والشوكاني، والشنقيطي، والألباني. (١)

قال ابن العربي: «أخبر الله تعالى أنَّ من سنته في رسله وسيرته في أنبيائه أنهم إذا قالوا عن الله قولاً زاد الشيطان فيه من قِبَلِ نفسه؛ كما يفعل سائر المعاصي .... ، فهذا نص في أنَّ الشيطان زاد في الذي قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله. وذلك أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ تلا قرآناً مقطعاً، وسكت في مقاطع الآي سكوتاً محصلاً، وكذلك كان حديثه مترسلاً متأنياً، فيتبع الشيطان تلك السكتات التي بين قوله: (وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠)) [النجم: ٢٠]، وبين قوله تعالى: (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى (٢١)) [النجم: ٢١] فقال يحاكي صوت النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وإنهن الغرانقة العلى، وإن شفاعتهن لترتجى)». اهـ (٢)

وقال القاضي عياض: «والذي يظهر ويترجح في تأويله ـ على تسليمه ـ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ـ كما أمره ربه ـ يرتل القرآن ترتيلاً، ويفصِّلُ الآي تفصيلاً في قراءته، كما رواه الثقات عنه، فيمكن ترصُد الشيطان لتلك السكتات، ودسِّه فيها ما اختلقه من تلك الكلمات، محاكياً نغمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، بحيث يسمعه


(١) انظر على الترتيب: أحكام القرآن، لابن العربي (٣/ ٣٠٦ - ٣٠٧)، والشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض (٢/ ٧٩ - ٨٣)، وزاد المسير (٣٢٢)، وكشف المشكل (١/ ٢٧٤)، كلاهما لابن الجوزي، وتفسير القرطبي (١٢/ ٥٦)، وتفسير ابن كثير (٣/ ٢٤٠)، وشرح المقاصد في علم الكلام، للتفتازاني (٢/ ١٩٧)، وفتح القدير، للشوكاني (٣/ ٦٦٢)، وأضواء البيان، للشنقيطي (٥/ ٧٣١) و (١٠/ ٢٠٩)، ونصب المجانيق، للألباني، ص (٦٣).
(٢) أحكام القرآن، لابن العربي (٣/ ٣٠٦).

<<  <   >  >>