للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من دنا إليه من الكفار، فظنوها من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأشاعوها، ولم يقدح ذلك عند المسلمين بحفظ السورة قبل ذلك على ما أنزلها الله، وتحققهم من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذم الأوثان وعيبها على ما عُرِفَ منه». اهـ (١)

وتعقب هذا الجواب الفخر الرازي فقال: «وهذا ضعيف؛ فإنك إذا جوزت أن يتكلم الشيطان في أثناء كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما يشتبه على كل السامعين كونه كلاماً للرسول - صلى الله عليه وسلم -، بقي هذا الاحتمال في كل ما يتكلم به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيفضي إلى ارتفاع الوثوق عن كل الشرع». اهـ (٢)

الجواب الثاني: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك ـ في أثناء تلاوته ـ على جهة التقريع والتوبيخ للكفار. وهذا جواب أبي بكر الباقلاني. (٣)

قال القاضي عياض: «وهذا ممكن، مع بيان الفصلِ، وقرينةٍ تدل على المراد، وأنه ليس من المتلوِ، ولا يُعترضُ على هذا بما رُوي أنه كان في الصلاة؛ فقد كان الكلام قبلُ فيها غير ممنوع». اهـ (٤)

الجواب الثالث: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قرأ هذه السورة، وبلغ ذكر اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، خاف الكفارُ أن يأتي بشيء من ذمِّها؛ فسبقوا إلى مدحها بتلك الكلمتين؛ ليُخَلِّطوا في تلاوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويشنِّعوا عليه على عادتهم وقولهم: (لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت: ٢٦]، ونُسِبَ هذا الفعل إلى الشيطان لحمله لهم عليه.

وهذا جواب الطاهر ابن عاشور. (٥)

وذكره القاضي عياض، والفخر الرازي، ولم ينسباه لأحد. (٦)

إلا أنَّ الفخر الرازي تعقبه فقال: «هذا ضعيف لوجهين: أحدهما: أنه


(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (٢/ ٨٢).
(٢) مفاتيح الغيب (٢٣/ ٤٦).
(٣) الانتصار للقرآن (١/ ٦٣).
(٤) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (٢/ ٨٢).
(٥) التحرير والتنوير، لابن عاشور (١٧/ ٣٠٥).
(٦) انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض (٢/ ٨٣)، ومفاتيح الغيب، للرازي (٢٣/ ٤٦).

<<  <   >  >>