للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لسانه - صلى الله عليه وسلم - ذلك الكفر البواح، فأي سلطان له أكبر من ذلك. (١)

الدليل الثالث: قوله تعالى في النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)) [النجم: ٣ - ٤]، وقوله: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢)) [الشعراء: ٢٢١ - ٢٢٢]، وقوله: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦)) [الحاقة: ٤٤ - ٤٦]، وقوله - في القرآن العظيم -: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)) [الحجر: ٩]، وقوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)) [فصلت: ٤١ - ٤٢]، فقوله: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ) فعلٌ في سياق النفي، والفعل في ساق النفي من صيغ العموم، وهو في الآية يعم نفي كل باطل يأتي القرآن، وقد أكد هذا العموم بقوله: (مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ)، فلو قدَّرْنا أنَّ الشيطان أدخل في القرآن على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: (تلك الغرانيق العلى) لكان قد أتى القرآنَ أعظمُ باطلٍ بين يديه ومن خلفه؛ فيكون تصريحاً بتكذيب الله جل وعلا في قوله: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ)، وكلُّ خبرٍ ناقضَ القرآنَ العظيم فهو كاذب؛ للقطع بصدق القرآن العظيم، ونقيضُ الصادقِ كاذبٌ ضرورة. (٢)

الدليل الرابع: قوله تعالى: (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (٧٤)) [الإسراء: ٧٣ - ٧٤]، وهاتان الآيتان تردان الخبر المروي في سبب نزول الآية؛ لأن الله تعالى ذكر أنهم كادوا يفتنونه حتى يفتري، وأنه لولا أن ثبته لكاد يركن إليهم؛ فمضمون هذا ومفهومه أنَّ الله تعالى عصمه من أن يفتري، وثبته حتى لم يركن إليهم قليلاً، فكيف كثيراً! وفي هذا الخبر الواهي أنه زاد على الركون والافتراء بمدح آلهتهم وأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: افتريت على الله، وقلت ما لم يقل، وهذا ضد مفهوم الآية، وهو يدل على ضعف


(١) انظر: أضواء البيان، للشنقيطي (٥/ ٧٢٩)، وروح المعاني، للآلوسي (١٧/ ٢٣٠).
(٢) انظر: مفاتيح الغيب، للرازي (٢٣/ ٤٤)، وفتح القدير، للشوكاني (٣/ ٦٦١)، وأضواء البيان (٥/ ٧٢٩)، ورحلة الحج إلى بيت الله الحرام، ص (١١٢ - ١١٣)، كلاهما للشنقيطي.

<<  <   >  >>