للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن يبقى النظر في طرق الحديث الأخرى، هل يَتَقَوّى الحديث بها، أم لا؟

فاعلم أنها كلها مرسلة، وهي على إرسالها مُعَلَّةٌ بالضعف والجهالة، سوى الطرق الأربعة الأولى منها (١)، فهي التي تستحق النظر؛ لأن الحافظ رحمه الله جعلها عمدته في تصحيحه هذه القصة، وتقويته لها بها، وهذا مما نخالفه فيه، ولا نوافقه عليه، وبيان ذلك يحتاج إلى مقدمة وجيزة مفيدة إن شاء الله تعالى، وهي:

الوجه الثاني: وهو يحتوي على تحقيق أمرين أساسيين:

الأول: أنَّ الحديث المُرسَل، ولو كان المُرسِل ثقة، لا يُحتج به عند أئمة الحديث، كما بيّنه ابن الصلاح في (علوم الحديث) وجزم هو به فقال: «ثم اعلم أنَّ حكم المُرسَل حكم الحديث الضعيف، إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر كما سبق بيانه ... ، وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضَعفه، هو المذهب الذي استقرَّ عليه آراء جماهير حفّاظ الحديث، ونقاد الأثر، وقد تداولوه في تصانيفهم». اهـ (٢)

قال الألباني: الأمر الثاني: معرفة سبب عدم احتجاج المحدثين بالمُرسَل من الحديث، فاعلم أنَّ سبب ذلك إنما هو جَهالة الوساطة التي روى عنها المُرسِلُ الحديثَ، وقد بيّن ذلك الخطيب البغدادي في (الكفاية في علم الرواية) حيث قال - بعد أن حكى الخلاف بالعمل بالمرسل-: «والذي نختاره سقوط فرض العمل بالمراسيل، وأن المرسل غير مقبول، والذي يدل على ذلك: أنَّ إرسال الحديث يؤدي إلى الجهل بعين راويه، ويستحيل العلم بعدالته مع الجهل بعينه، وقد بيّنا من قبل أنه لا يجوز قبول الخبر إلا ممن عُرِفَتْ عدالته، فوجب كذلك كونه غير مقبول، وأيضاً فإن العدل لو سُئِلَ عمن أرسل عنه؟ فلم يُعدّله، لم يجب العمل بخبره، إذا لم يكن معروفَ العدالةِ من جهة غيره، وكذلك حاله إذا ابتدأ الإمساك عن ذكره وتعديله، لأنه مع الإمساك عن


(١) يريد رواية سعيد بن جبير المرسلة، ورواية أبي بكر بن عبد الرحمن، ورواية أبي العالية، ورواية قتادة، وقد تقدم تخريجها في أول المسألة.
(٢) النكت على كتاب ابن الصلاح، لابن حجر (٢/ ٥٦٧).

<<  <   >  >>