للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولاً: أنَّ القاعدة التي أشار إليها، وهي تقوية الحديث بكثرة الطرق ليست على إطلاقها، وقد نبّه على ذلك غير واحد من علماء الحديث المحققين، منهم الحافظ أبو عمر بن الصلاح حيث قال رحمه الله في (مقدمة علوم الحديث): «لعل الباحث الفهم يقول: إنا نجد أحاديث محكوماً بضعفها، مع كونها قد رُويَت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة، مثل حديث: «الأذنان من الرأس» (١) ونحوه، فهلاّ جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن؛ لأن بعض ذلك عضد بعضاً كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفاً؟!

وجواب ذلك: أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمنه ما يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئاً من ضعف حفظ راويه، ولم يختلّ فيه ضبطه له، وكذلك إذا كان ضَعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ، إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر، ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف، وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته، وذلك كالضعيف الذي ينشأ من كون الراوي متهماً بالكذب، أو كون الحديث شاذاً. وهذه جملة تفاصيلها تُدرَك بالمباشرة والبحث، فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة». (٢)

قال الألباني: ولقد صدق رحمه الله تعالى، فإن الغَفْلَةَ عن هذه النفيسة قد أوقعت كثيراً من العلماء، لا سيّما المشتغلين منهم بالفقه في خطأ فاضح، ألا وهو تصحيح كثير من الأحاديث الضعيفة اغتراراً بكَثرة طُرقها، وذهولاً منهم عن كون ضعفها من النوع الذي لا ينجبر الحديث بضعفها، بل لا تزيده إلا وَهناً على وهن، ومن هذا القبيل حديث ابن عباس في هذه القصة، فإن طرقه كلها ضعيفة جداً كما تقدم، فلا يتقوى بها أصلاً.


(١) قال الألباني في حاشية الكتاب، ص (٣٩) معلقاً على هذا الحديث: «هذا الحديث عندنا صحيح لغيره، فقد رُوي عن سبعة نفر من الصحابة من طرق مختلفة قوّى المنذري، وابن دقيق العيد، وابن التركماني، والزيلعي أحدها، ولذلك أوردناه في كتابنا (صحيح سنن أبي داود) وتكلمنا عليه هناك رقم (١٢٣) ثم نشرناه في (سلسلة الأحاديث الصحيحة) رقم (٣٦)، وذكرنا فيه طرقه وبعضها صحيح لذاته، فراجعه إن شئت». اهـ وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (١/ ٨١).
(٢) انظر: مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث، ص (٣٤ - ٣٥).

<<  <   >  >>