بذلك أنَّ لها أصلاً في الجملة، أعني بدون هذه الزيادة، فهذا ليس هو موضع خلاف بينه وبين العلماء الذين ردّ عليهم قولهم ببطلان القصة، وإنما الخلاف في الجملة التي تزعم الروايات أنَّ الشيطان ألقاها على لسانه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإذ قد صرح الحافظ بإنكارها وتنزيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها فنستطيع أن نقول: إن الحافظ متفق مع ابن كثير وغيره ممن سبقه ولحقه على إنكار القصة على ما وردت في الروايات، حتى التي صحَّحها الحافظ، وأما ما بقي منها مما لا يتنافى مع عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا خلاف في إمكان وقوعها، بل الظاهر أنَّ هذا القدر هو الذي وقع بدليل ظاهر آية الحج حسبما تقدم تفسيرها في أوائل الرسالة.
نعم يرد على الحافظ هنا اعتراضان:
الأول: تليينه العبارة في إنكار تلك الزيادة، لأنه إنما أنكرها بطريق تأويلها! وحقه أن ينكرها من أصلها، لأن التأويل الذي زعمه ليست تفيده تلك الزيادة أصلاً.
الثاني: تشنيعه القول على ابن العربي والقاضي عياض لإنكارهما القصة، ومع أنه يعلم أنهما أنكراها لِمَ فيها من البواطيل التي لا تتفق مع القول بعصمة الرسول الكريم، منها هذه الزيادة التي وافقهما الحافظ على استنكارها، مع فارق شكلي وهو أنهما كانا صريحين في إنكارها من أساسها، بينما الحافظ إنما أنكرها بطريق تأويلها ـ زعم ـ.
ومن هنا يتبين لك ضعف ما قاله الحافظ ابن حجر في رده على القاضي في (تخريج الكشاف): «وأما طعنه فيه باختلاف الألفاظ فلا تأثير للروايات الواهية في الرواية القوية، فيعتمد من القصة على الرواية الصحيحة، أي: يُعتمد على الرواية المتابعة، وليس فيها وفيما تابعها اضطراب والاضطراب في غيرها، وأما طعنه من جهة المعنى فله أسوة كثيرة من الأحاديث الصِّحاح التي لا يؤخذ بظاهرها، بل يرد بالتأويل المعتمد إلى ما يليق بقواعد الدين». اهـ (١)
قال الألباني: إن هذا الرد ضعيف؛ لأن الرواية الصحيحة التي أشار إليها هي رواية ابن جُبير، وفيها كما في غيرها من الروايات المتابعة الأمر
(١) الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف، لابن حجر (٣/ ١٦١).