للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المستنكر باعترافه، بل في بعض الروايات عن سعيد ما هو أنكر من ذلك وهو قوله: ثم جاءه جبريل بعد ذلك فقال: اعرض علي ما جئتك به، فلما بلغ: (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى) قال له جبريل: لم آتك بهذا، وهذا من الشيطان!! وقد جاء هذا في غير رواية سعيد كما تقدم، ولازمه أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد انطلى عليه وحي الشيطان واختلط عنده بوحي الرحمن، حتى لم يميِّز بينهما، وبقي على هذه الحالة ما بقي، إلى أن جاءه جبريل في المساء! سبحانك هذا بهتان عظيم، وافتراء جسيم.

فاتضح أن ليس هناك رواية معتمدة صحيحة بالمعنى العلمي الصحيح، وأن الرواية التي صححها الحافظ قد أنكر بعضها هو نفسه فأين الاعتماد.

وأما قوله: «إن حديث الغرانيق له أسوة بكثير من الأحاديث الصحيحة»، فصحيح لو صح إسناده، وأمكن تأويله، وكلا الأمرين لا نسلِّم به. أما الأول فلما علمت من إرساله من جميع الوجوه حاشا ما اشتد ضعفه من الموصول، وإنها على كثرتها لا تعضده. وأما الأمر الآخر فلأن التأويل الذي ذهب إليه الحافظ رحمه الله هو في الحقيقة ليس تأويلاً، بل هو تعطيل لحقيقة الجملة المستنكرة، وهو أشبه ما يكون بتأويلات بل تعطيلات القرامطة والرافضة للآيات القرآنية والأحاديث المصطفوية. تأييداً لمذاهبهم الهدّامة وآرائهم الباطلة، خلافاً للحافظ رحمه الله فإنه إنما فعل ذلك دفاعاً عن مقام الحضرة النبوية والعصمة المحمدية، فهو مشكور على ذلك ومأجور، وإن كان مخطئاً عندنا في ذلك التأويل مع تصحيح القصة». اهـ (١)

****


(١) انظر: نصب المجانيق، للألباني، ص (٦٠ - ٦٥).

<<  <   >  >>