للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ساعة، ولا تقع في قلبه إلا بعد أن تزوجها زيد، وقد كانت وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكرهت غيره، فلم تخطر بباله - صلى الله عليه وسلم -، فكيف يتجدد لها هوىً لم يكن، حاشاه - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، وهذا كله يدل على بطلان القصة، وأنها مختلقة موضوعة. (١)

الدليل الرابع: أنَّ الله تعالى بيّن الحكمة من زواجه - صلى الله عليه وسلم - بزينب، فقال: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا)، وهذا تعليل صريح بأن الحكمة هي قطع تحريم أزواج الأدعياء، وكون الله هو الذي زوجه إياها لهذه الحكمة العظيمة، صريح في أنَّ سبب زواجه إياها ليس هو محبته لها، التي كانت سبباً في طلاق زيد لها، كما زعموا، ويوضحه قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا)؛ لأنه يدل على أنَّ زيداً قضى وطره منها، ولم تبق له بها حاجة، فطلقها باختياره. (٢)

الثاني: مسلك قبول الحديث واعتماده، وجعله سبباً في نزول الآية.

ويرى أصحاب هذا المسلك: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقع منه استحسان لزينب، وهي في عصمة زيد، وكان حريصاً على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو، ثم إن زيداً لما أخبره أنه يريد فراقها، ويشكو منها غلظة قول، وعصيان أمر، وأذىً باللسان، وتعظماً بالشرف، قال له: اتق الله فيما تقول عنها، وأمسك عليك زوجك. وهو يخفي الحرص على طلاق زيدٍ إياها، وهذا هو الذي كان يخفي في نفسه، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف، قالوا: وخشي النبي - صلى الله عليه وسلم - قالة الناس في ذلك، فعاتبه الله تعالى على جميع هذا. (٣)

وهذا المذهب روي عن: قتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وعكرمة، ومحمد بن يحيى بن حبان، ومقاتل، والشعبي (٤)، وابن جريج (٥).


(١) انظر: الشفا (٢/ ١١٨)، وأحكام القرآن، لابن العربي (٣/ ٥٧٧).
(٢) انظر: أضواء البيان، للشنقيطي (٦/ ٥٨٣).
(٣) انظر: المحرر الوجيز، لابن عطية (٤/ ٣٨٦).
(٤) تقدم تخريج أقوالهم في أول المسألة.
(٥) أخرجه الطبراني في الكبير (٢٤/ ٤٣).

<<  <   >  >>